للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما قيل من أن الدين نظام ثابت والدولة نظام متغير فهو أمر يخلط فيه بين جوانب الدين الثابتة التي تعالج أمورًا ثابتة وجوانب الدين المرنة التي تعالج أمورًا متغيرة كمسألة نوعية التنظيم والإدارة , فإن الجوانب المتغيرة من الحياة كعلاقة الإنسان بالطبيعة أو كبعض العلاقات الاجتماعية تحكمها ضوابط عامة يكون تطبيقها مرنًا يختلف باختلاف الظروف مثل قواعد (منع الضرر) و (التزاحم بين الأهم والمهم) و (نمو الإنتاج) وأمثال ذلك.

ومن تلك الجوانب أسلوب الإدارة المختلف باختلاف الظروف , ولذا شكل منطقة فراغ يملأها الإمام وربما عمد إلى الشورى في ذلك، أما الشكل العام الذي ينسجم مع الضوابط العامة فهو أمر ثابت لا يتغير , وسيأتي مزيد حديث عن هذا البحث التالي.

أما مسألة فشل الحكومات الدينية فليس يعني أن كل حكومة دينية فاشلة مطلقًا خصوصًا بعد أن نجد الحكومات المذكورة لا تتبع النظام الإسلامي الكامل , وتحيد عن الصيغة الإسلامية بأي شكل تصورناها , وهل يتحمل الإسلام وزر عمل الطاغية يزيد والحجاج وباقي حكام الجور وبعض الخلفاء العثمانيين وأمثالهم.

وربما يحلو لبعض الكتاب مثل (طه حسين) أن يجعل الزمان غير مناسب للحكومة الإسلامية التي أرادها علي (ع) ولذلك لم ينجح في إنشاء دولة العدل بعد أن مال الناس إلى ملكية معاوية , فيقول: "كان علي (ع) يدير خلافة وكان معاوية يدير ملكًا , وكان عصر الخلافة قد انقضى وكان عصر الملك قد أطل".

ولكن طه حسين لم يلتفت إلى أن وجود العقبات في وجه أمير المؤمنين لم يكن من مقتضيات التطور الاجتماعي , وإنما هي حالة طارئة وجدت بفعل عوامل معينة ولم تكن لتستطيع الثبات بوجه العدل العلوي لو فقدت أحد مقوماتها صدفة , كأن لم يخدع بعض الناس فيعلن الثورة على أمير المؤمنين مما خلق الضعف الكبير في الدولة الإسلامية التي يقودها , وأفشل التطبيق الإسلامي النظيف وحرمنا الكثير من الخيرات.

ورغم كل هذا فإن الفرص التي أتيحت للحكم الديني كي يشمل المجتمع شكلت أروع تجربة بشرية على الإطلاق.

بل أن هناك أنماطًا من التطبيق المنحرف لنظام الحكم الإسلامي هي أفضل بكثير من تطبيق أي نظام لا إسلامي بشهادة التاريخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>