أما استبعاد إمكان الحكومة العالمية، فهو قائم على أساس أنه يفرض على الجميع نمطًا واحدًا من السلوك رغم اختلاف المناطق بينهم. المفروض هو أن يكون الموجه الواحد للعالم والحكومة الواحدة متمثلًا بحكومة الإسلام والإمام , ولا يوجد أي مانع عقلي أو واقعي من ذلك، بل إن بعض كبار المفكرين والسياسيين في العصر الحديث يعدون ذلك إحدى الضرورات التي لا غنى عنها للبشرية، على أنه لا يهمنا رأي هؤلاء بعد أن وعد الله المؤمنين بالدولة العالمية التي تملأ الأرض قسطًا وعدلًا:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ}(١) .
إن الإسلام كما هو واضح من مختلف جهاته يريد أن ينسق مسيرة الأرض الواحدة نحو تكاملها، وهذا لا يفرض إلا وحدة عامة , ولا مانع فيه من الاختلاف في بعض التطبيقات مراعاة للظروف.
وأما مدعاه في أن مسألة الحكم أمر دنيوي خلى فيه الرسول بيننا وبين عقولنا فقد توضح أمره بما سبق.
وأما المدعى الثالث في أن الرسول لم يبن الدولة ولا وضع مبادئ الحكم ولم يوص بشيء، ولا عين تفصيلات الشورى، فالواقع فيه أن الرسول لاحظ كل ما يتعلق بهذا الأمر فخطط لإقامة الدولة الإسلامية أروع تخطيط يتناسب ـ طبعًا ـ ومستوى الاحتياجات في عصره , ثم بين أهم مبدأ في نظام الحكم بأن جعل الحاكم الأول في الدولة هو المعصوم العالم السائر على خط الإسلام الذي يعين شكل التنظيم الإداري وهو يختلف باختلاف الظروف.
وأما ما ذكره البعض تأييدًا له فهو أيضًا غير صحيح، إذا المؤسس الحقيقي لنظام الحكم الإسلامي هو النبي صلى الله عليه وسلم.