للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا ـ الأحاديث النبوية:

فلو غضضنا النظر عن أسانيدها ولم نناقش رواتها واحدًا واحدًا ـ وهو طبيعي ـ فإن الحديث الأول واضح الدلالة على أن الحاكم الإسلامي حتى ولو كان هو النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس ملكًا جبارًا مستبدًا يحكم بهواه ويقتل بغير حساب، ويقهر رعيته بالرهبة والجبروت , وإنما ينبغي أن يكون الرحيم العطوف الودود برعيته كما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكما كان الخلفاء وها هو على تراه في أصحابه كأحدهم وهو يكتب إلى عامله على مصر (مالك الأشتر) كتابًا رائعًا يقول فيه من جملة ما يقول: "وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعًا ضاريًا تغتنم أكلهم , فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق.." [نهج البلاغة، صبحي الصالح ص ٤٢٧] .

أما حديث ((أنتم أعلم بشؤون دنياكم ... )) فإنه أقوى دلالة على المطلوب لو صح وإن كان من الممكن النقاش فيه على أساس أن المقصود من أمور الدنيا الأمور التجريبية التي يدركها الإنسان بالممارسة وليست مسألة الحكم أمرًا من هذا القبيل بل هي العمود الرئيسي للمجتمع الذي يعمل الإسلام على بنائه , وخصوصًا بالنسبة لفترة ما بعد الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولكن الكلام كل الكلام في صحة هذا الحديث وذلك:

(أ) كيف يعقل أن لا يعلم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو الذي يعيش في مجتمع أهم زراعة فيه هو زراعة النخل , إن تأبيره ضروري لإنتاجه حتى لو فرضناه غير متصل بالسماء في هذه الأمور على الأقل؟ وكيف لم يرد عليه الفلاحون؟

(ب) إن الإسلام كما قلنا أعطى رأيه في مختلف الشؤون الدنيوية بعد أن ضبط كل تصرفات الإنسان تحت عنوان الحلال والحرام كما مر، وقد تدخل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مختلف شؤونهم الحياتية حتى بصفته ولي الأمر , فقاد الجيوش ووجههم في مختلف الأمور كما في المجال الصحي وفي المجال الاقتصادي وأمثال ذلك.

(ج) وقد قام بعض العلماء بمناقشة هذا الحديث سندًا ودلالة فاغنونا عن البحث فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>