للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا انتقلنا إلى عقوبة قطع يد السارق نجد أنه خير وسيلة لمعاقبة من يرتكب مثل هذا النوع من الجريمة، لأن السارق يريد أن يعيش عيشة كريمة على حساب الآخرين، فكم من أسر بريئة تشردت بسبب اللصوص، وكم من شخص كدا واجتهد وعانى كثيرًا من المتاعب طيلة سنوات عديدة لتوفير مال يعتمد عليه في حالة عجزه عن العمل , إما لكبر وإما لمرض، فيأتي لص يبدد كل هذه الأمال ويستولي في دقائق على هذه الثروة التي جمعت في عشرات السنين , وكثيرًا ما يتم ذلك تحت تهديد بالسلاح , بل وبالقتل والجرح في بعض المرات، فهل يليق في نظر العقلاء أن يحبس هذا المجرم وينفق عليه من أموال الشعب، يأكل ويشرب وينام ملء جفونه؟ وهل هذه عقوبة رادعة؟ طبعًا لا، بدليل أن السارق لا يكاد يخرج من السجن حتى يسرق مرة أخرى ويعود إلى سجنه؛ لأنه يجد في السجن مرتعًا خصبًا يأكل ويشرب وينام كما يريد دون أي تعب أو عناء.

وما ذنب الشعب حيث تؤخذ منه الضرائب، والرسومات المختلفة لينفق على هؤلاء المجرمين الذين يهددون أمن البلاد وأمن المواطنين؟ أليس من المناسب عقلًا قطع يد اللص جزاء وفاقًا لما ارتكبه في حق الأبرياء؟ فيتعذب بالقطع وتتشوه خلقته به، فنكون قد عاملناه على نقيض قصده؛ لأنه ما قصد السرقة إلا ليتمتع بالحياة بدون أي تعب ولا معاناة، بل وبتخريب بيوت الآخرين، فنفوت عليه هذا القصد بقطع يده؛ لأنه حتى لو كسب المال بالسرقة فإنه لا يمكن أن يتمتع به، ولا أن يكون سعيدًا في الحياة لأجل علامة العار التي تلازمه أينما حل وارتحل، وقد أثبتت التجارب أن هذه العقوبة رادعة تحقق الأمن والاستقرار في أي مجتمع ينفذ فيه هذا الحكم الشرعي، فقد رأيت بنفسي عندما دخلت الديار المقدسة لأول مرة في عام ١٩٦٧م دكاكين مليئة بالذهب والماس يتركها أصحابها بدون إغلاق، وإنما يكتفون فقط بإسدال أستار من القماش الرقيق عليها، فيذهبون إلى المساجد لأداء صلاة الظهر، ثم يعودون إلى بيوتهم للغداء والراحة ولا يعودون إليها إلا بعد صلاة العصر، فيجدون هذه الدكاكين كما تركوها لم تمس بأي أذى، ولا يشك إنسان في أن سر ذلك يرجع إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في المملكة العربية السعودية.

أما الدول التي تدعي الحضارة والتقدم المادي، فلا يخفى على أحد ما يجري فيها من الفوضي وعدم الاستقرار على الرغم من البلايين والدولارات التي تنفق في الأمن، فمثلًا في مدينة نيويورك التي تعتبر أكبر مدن العالم وأكثرها تحضرًا وتطورًا، فإنه يجري فيها في كل ثانية عشرات الجرائم وذلك حسب إحصائيات الحكومة الأمريكية نفسها.

فنطلب من هؤلاء أن يتركوا المغالطات وأن يتخلوا عن تعصبهم الأعمى ويعودوا إلى الشريعة الإسلامية إذا ما أرادوا الأمن والاستقرار والسعادة؛ لأنها صادرة عن الله تعالى الذي خلق البشر، فهو أعلم بما يصلح لهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

الدكتور أبو بكر دكوري

<<  <  ج: ص:  >  >>