للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغزو الفكرى

لقد وضح لنا: أن هناك (غزوًا فكريًّا) مقصودًا، يعمل لإذابة الشعوب، وانسلاخها عن عقائدها ومذاهبها وحضاراتها، لتصبح مسخًا شائهًا تابعًا لغيره، يؤمر فيطيع.. ولقد عمل هذا الغزو على تضليل المجتمعات الإنسانية، وخداعها والتمويه عليها وقلب الحقائق وتشويه الحقيقة عن طريق تصنيع الكلمة , وزخرفه القول، والدخول إلى المخاطب. من نقطة الضعف، والاستغفال لإغرائه والإيقاع به، الإيحاء إليه، بسلامة الفكرة، وصحة المفهوم المزيف، الذي تحمله كلمات الغزو.

ولكم تهاوت أمم وشعوب وأجيال، وتساقطت في هاوية الضلال والانحراف والفساد الخلقى والعقدى والاجتماعى بسبب تصورات (الغزو) المزخرفة الخادعة، التي يرقص السذج والجهال على نغم إيقاعها، ويفتنون بسماعها وأناقة ظاهرها.

ولكم عانى الإنسان والشعوب من أولئك الذين يصنعون (الغزو الفكرى) ويصدرونه في موجات، تقتحم الديار والبيوت، لقد قِيدت الإنسانية إلى هاوية الضلال والانحراف، ولقد كان (للغزو الفكرى) في كل جيل، وفى كل عصر دوره التخريبى في حياة الناس، إلا أن البشريه لم تشهد في مرحلة من مراحل حياتها وضعا كان فيه (للغزو الفكرى) خبراء، ومتفلسفون، وأجهزة، ومؤسسات، كعصرنا الحاضر هذا، الذي اتخذ فيه (الغزو الفكرى) صبغة الفلسفة والنظرية والمبدأ الذي يعتنقه الأتباع، ويدافعون عنه، وينقادون له.

وقضية الغزو الفكرى أصبحت اليوم من أشد القضايا خطرًا، تبدو ظواهر هذ الغزو المدمر في قلوب وعقول كثير من المثقفين في هذا العصر. واضحة بينة، والسلاح الذي يستعمله (الغزو الفكرى) مدمر قتّال، يؤثر في الأمم والمجتمعات أكثر مما يؤثر المدفع والصاروخ والطائرة، وقد ينزل إلى الميدان ويعظم خطره حين تخفق وسائل الحديد والنار في تحقيق الهدف والوصول إلى الغاية، والخطر الذي يحتجنه هذا الغزو أكثر بكثير من قتل الإفراد، بل من قتل جيل بأسره، إذ يتعدى ذلك قتل أجيال متعاقبة.

والسلاح الذي يستعمله هذا الغزو هو سلاح الحيله والشبهات وتحريف الكلم، الخديعة في العرض (١)


(١) راجع: إبراهيم النعمة، المسلمون أمام تحديات الغزو الفكرى: ص ٧، طبعه شركة معمل ومطبعة الزهراء الحديثه , المحدودة. العراق ١٩٨٦م

<<  <  ج: ص:  >  >>