للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا – تقدم الغرب العلمي:

لقد كان الغرب يملك تقدمًا علميًّا فائقًا وتقدمًا ماديًّا هائلًا وعبقرية تنظيمية مبدعة، وروحًا من الجلد والصبر على العمل والإنتاج، وروحًا علمية في مواجهة المشكلات سواء من ناحية الدراسة أو من ناحية التنفيذ (١) .

ولا شك أن التقدم العلمي المذهل للغرب كان قويًّا دفاقًا، له من القوة والانتشار والاستيلاء ما بهر العقول، وفتن الألباب، ولا غرو فقد بز بذلك كل تقدم علمي عرفه العالم وسمعت عنه البشرية في التاريخ المترامي الأطراف، واستطاع أن يُخرج من الأسرار ويكشف من الاختراعات ما جعل أبصار الناس وعقولهم تتعلق به (٢) ، وخاصة أن هذا العلم أصبح في خدمة الإنسان في كثير من مناحيه، فاتجهت الأنظار والعقول والقلوب إلى الغرب، تتطلع إلى ما فيه من اكتشافات تأتي بجديد (٣) .

لقد واجه العالم الإسلامي مشكلة تقدم الغرب العلمي، وجها لوجه، وهذا التحدى السافر على طريق واحد, وهو صاحب الضارة العريقة، والرسالة الدينية الخاتمة، وصاحب الوصاية على البشرية بعد ما انسحبت كل الديانات والمذاهب القديمة متوارية من نوره الوهاج وحجته المشرقة، وصاحب الرقعة الواسعة، والثقافة المنشرة، والقوة الكبرى التي كان يحسب لها ألف حساب. فكان تحدي الحضارة المادية الآلية للعالم الإسلامي أعظم من تحديها لأي أمة، ولأي حضارة، ولأي ثقافة، وقد صاحب تلك الحضارة مذاهب فكرية، وفلسفات مادية، ونظم سياسية، واقتصادية، وعمرانية، واجتماعية، وخلقية، وكان لابد أن ينظر الناس – وخاصة الشعوب المختلفة – إلى هذه المذاهب والفلسفات، والنظم نظرة تقدير واحترام، لأنها نتاج تلك الشعوب المتقدمة، وحصاد تلك الأمم المتطورة التي فتتت الذرة، وصنعت الطائرة والصاروخ، وأدارت الأقمار (٤) وغزت الفضاء، لتراقب سلوكيات الإنسانية كلها – وخاصة تحركات المجتمعات الإسلامية – ولتكتشف من الفضاء الواسع، ما يزيدها من العلم تمكينًا , وأصبحت المجتمعات الإسلامية تمجد الحضارة الأوروبية والتقدم العلمي والصناعي، واستطاع الغرب أن ينقل الإنتاج المادي إلى المجتمعات الإسلامية في أفريقيا وفي أسيا؛ لاستخدام هذا الإنتاج في تيسير الحياة والتغلب على صعوبات المشاق التي تصحب عادة الحياة الإنسانية المختلفة، أو البدائية، وذلك ليكون شواهد مادية، ترى وتختبر في التطبيق وفي واقع الحياة (٥) .


(١) انظر: محمد قطب، واقعنا االمعاصر: ص ٣٤٣، طبعة مؤسسة المدينة، جدة ١٤٠٧ هـ
(٢) راجع الدكتور توفيق يوسف الواعي، الحضارة الإسلامية مقارنة بالحضارة الغربية: ص ٦٨٥
(٣) د. أحمد السايح، أضواء على الحضارة الإسلامية: ص ١٥٠
(٤) الدكتور توفيق يوسف الواعي، الحضارة الإسلامية مقارنة بالحضارة الغربية: ص ٦٨٦
(٥) الدكتور محمد البهي، الفكر الإسلامي والمجتمع المعاصر: ص ٥٤

<<  <  ج: ص:  >  >>