للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سادسًا – الفراغ العقدي:

من المؤكد لدى الباحثين أن العقيدة هي الأمر الذي تثق به النفس، ويطمئن إليه القلب، ويكون يقينًا عند صاحبه، ولا يمازجه شك فيه، ولا يخالطه ريب. ويذكر العقاد: أننا نعني بالعقيدة الدينية طريقة حياة، لا طريقة فكر، ولا طريقة دراسة، إنما نعني بها حاجة النفس كما يحس بها من أحاط بتلك الدراسات، ومن فرغ من العلم والمراجعة، ليترقب مكان العقيدة من قرارة ضميره، إنما نعني بها ما يملأ النفس لا ما يملأ الرؤوس أو الصفحات. (١) .

إن العقيدة التي يصح أن توصف بالعقيدة الدينية، هي التي لا يستغني عنها من وجدها، ولا يطيق الفراغ منها من فقدها، ولا يرفضها من اعتصم منها، بمعتصم، واستقر فيها على قرار (٢) .

ومن يتأمل العقيدة الإسلامية، ويتدبر ما جاءت به من مفاهيم تناولت معضلات الحياة، إن من يتأمل ذلك يحس بالإطمئنان، ويتخلص من الحيرة التي تواجه كثيرًا من المفكرين (٣) .

والحقيقة التي أثبتتها مئات السنين الحافلة بالأحداث والخطوب والمحن حقيقة أن العقيدة الإسلامية هي العقيدة الشاملة، والعقيدة المثلى للإنسان والمجتمع رعاية للروح والجسد، وعمل للدنيا والآخرة، وجهاد في السلم والحرب، وتنظيم للعلاقات والصلات الاجتماعية بين الأفراد والجماعات والأمم.

فالعقيدة ضرورة لا غنى عنها للفرد والجماعة.. ضرورة للفرد ليطمئن ويسعد، وتطهر نفسه.. وضرورة للمجتمع ليستقر ويتماسك، ويترفع وينهض..

فالفرد بغير عقيدة كالريشة في مهب الريح، تحوله يمينًا وشمالًا فلا يسكن له حال، ولا يستقر له قرار، وليس له جذور تثبته (٤) .

والعقائد في الأمم تقف سدودًا بينها وبين الأفكار الوافدة أو المذاهب المقتحمة، وتعطي أعماقًا للصروح والمجتمعات والأفراد، كما تمنح استقرارًا وثباتًا للإنسان في الحياة.

أما إذا تركت الأمم عقائدها، وتخلت عن غذائها الروحي، وعن عمقها الإيماني (٥) ، فإنها تصبح فريسة لمن هب ودب..

والباحث في أحوال الشعوب الإسلامية: يجد أنها لم تحسن التخطيط، ولم تستفد من الدروس , فانطلقت في سبيل الشهوات والملذات والطوائف والاختلاف، وتركت تعاليم الإسلام التي تدعو إلى الفكر والعلم والحضارة.. فكان ما كان..

لقد اتضح لنا، أن (الغزو الفكري) الذي تعرضت له شعوب الأمة الإسلامية - ولا زالت تتعرض - قام على أسباب وبواعث، دفعت بالغزو الفكري إلى تكالب مسعور، وكان في الإمكان أن ترد الهجمة الشرسة، ولكن كانت هناك عوامل تنتشر في المجتمعات الإسلامية، ساعدت على توغل الغزو الفكري، وانتشاره بين الناس.


(١) عباس محمود العقاد، العقائد والمذاهب: مجلد رقم ١١، ص ٤٠٢، طبعة دار الكتاب اللبناني، بيروت
(٢) المصدر السابق: ص ٤٣١
(٣) انظر: الدكتور أحمد السايح، عباس محمود العقاد، فيلسوفًا رسالة (ماجيستير) ص ١٦٦
(٤) انظر: محمد أمين حسن، خصائص الدعوة الإسلامية: ص ٢٥٧، طبعة مكتبة المنار، الأردن؛ وانظر كذلك الدكتور أحمد السايح، العقيدة والإنسان، مجلة الخفجي، السنة العشرون، العدد الأول: ص ٤، ٥، إبريل ١٩٩٠ م السعودية؛ وانظر: كذلك أبو الحسن الندوي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين: ص ٢١٨، طبعة دار الكتاب العربي ١٤٠٤ هـ
(٥) الدكتور توفيق يوسف الواعي، الحضارة الإسلامية، مقارنة بالحضارة الغربية، ص ٧٠١، ٧٠٢

<<  <  ج: ص:  >  >>