للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يظن بعض البسطاء أن المسألة يراد بها سهولة الأداء اللغوي، ولكن أهداف كل هذه الخطط هي كتم أنفاس هذه اللغة, ووضعها في تابوت ثم ركنها في متحف اللغات التي شاخت وأدركها الوهن مثل اللاتينية.

ويقول الدكتور العناني تعليقًا على هذه الحملة الماكرة: (إن تغيير قواعد اللغة العربية صرفًا ونحوًا بالوضع فقط، أو الوضع والإزالة، معناه إحداث لغة جديدة بقواعد جديدة، وهذه اللغة العربية الجديدة إن صح اتصالها بالعربية الحالية المدونة اتصال اللهجة بالأم، فإنها تبعد عنها شيئًا فشيئًا حتى تختفي معالم الصلات بينهما، أو تكاد , وعندئذ تكون اللغة العربية الحالية من اللغات الميتة) (١) .

ولكن لماذا هذه الخطط لهدم اللغة العربية؟ إن كل هذه الشراك التي تلقى لصيد اللغة العربية، وهذه المؤامرات التي تحاك حولها تستهدف أبعد مما يتبادر إلى ذهن بعض الناس عندما يرى هذه الحيل المحبوكة التي ألبست ثياب الفنية، والرغبة في تسهيل اللغة للدارسين، لإخفاء الأهداف الحقيقة من الهجمة على الإسلام وفكره وحضارته، وبتر المسلمين عن دينهم، وضع عراقيل أمامهم في فهم كتابهم وسنة نبيهم وشريعة دينهم، وقطع الروابط الوثيقة التي تربط بينهم وبين ماضيهم.

فاللغة العربية منذ جاء وحي الله إلى نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بلسان عربي مبين، وتوثقت بها جميع أصول دين الله، دين الحق، أصبحت لغة القرآن، لغة السنة النبوية، لغة كل مسلم في أي مكان في الأرض، ولم يعد للعرب منها أكثر ما لأي مسلم من أي جنس. فكما أن الإسلام دين الناس كافة، فلغة الكتاب والستة لغة المسلمين، لاحق لأي فرد أو مجموعة أن تدعى ملكيتها واحتكارها، والاستئثار بها, ولا يجوز لأي أحد أن يمد يده أو لسانه لإيذائها، فالذي يفعل ذلك قد اعتدى على جميع المسلمين.

وبما أن أعداء الإسلام في الخارج وأذنابهم في الداخل لا يألون جهدًا في سعيهم لإيجاد الوسائل الفعالة لغزو الإسلام فكرًا وحضارة، وتدميره من أساسه، وبما أن اللغة العربية هي الوسيلة الوحيدة الصحيحة لفهم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وتراث الإسلام العظيم، استهدفوها وتآمروا عليها للوصول عن طريق هذه المؤامرات إلى بلبلة الأفكار، وتمييع مفاهيم اللغة، وتشويه كلماتها وتراكيبها وتفتيتها وتوزيعها إلى لهجات لا تتوفر فيها أسس اللغة، فيتصدع ما هو قائم الآن حولها من روابط ثقافية ودينية واجتماعية، فإذا بنا بدويلات اجتثت من أصولها، وحيل بينها وبين ماضيها وتراثها، ليسهل على الفكر الغربي الغازي ابتلاعها لقمة سائغة وتضيع كل النصوص التي كتبت بالعربية في ضباب، وبعد حين من الوقت يصير الإسلام تاريخًا مشوهًا ضاعت أصوله، ويدخل القرآن الكريم في المتحف مع التوراة والإنجيل، ولا يصل الإنسان إليه إلا عن طريق تراجم مشوهة مشبوهة , هذا ما يسعى إليه هؤلاء الغزاة وأذنابهم.


(١) عن إطار إسلامي للفكر المعاصر ـ للأستاذ أنور الجندي. مرجع سابق: ص ٢٩١ ـ ٢٩٨

<<  <  ج: ص:  >  >>