للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يقم دليل على وجود الإجماع على منع التلفيق، وأيد جواز التلفيق جماعة ثقات من العلماء كالكمال بن الهمام، وابن نجيم المصري، وصاحب الفتاوى البزازية، والشيخ الطرسوسي، وأبو السعود، وابن عرفة، والعلامة العدوي، والفهامة الأمير، والفاضل البيجوري، والشفشاوني وغيرهم.

وأما مجموع العمل المركب من مسألتين، فلم يوجب أحد النظر إليه، في الاجتهاد أو التقليد، وإنما هو اختراع لحكم شرعي ممن ليس أهلا للقول به، ويكون تقليد كل عالم في مسألة منفصلة عن المسألة الأخرى التي قلد فيها عالما آخر. وإنما يعد ذلك من قبيل تداخل أقوال المفتين.

والتلفيق الممنوع ثلاثة أنواع: تتبع الرخص عمدا، والذي يستلزم نقض حكم الحاكم، والذي يؤدي إلى الرجوع عن الأمر بعدما عمل به تقليدا لمجتهد.

ويكون التلفيق جائزا للضرورة أو الحاجة في العبادات المبنية على التسامح، وأحكام العقود والمعاملات القائمة على رعاية المصالح وتحقيق سعادة العباد. وضابط التلفيق: هو أن كل ما أفضى إلى تقويض دعائم الشريعة والقضاء على سياساتها وحكمتها، فهو محظور، وكل ما أيد دعائم الشريعة، وصان حكمتها وسياستها لإسعاد الناس في الدارين، فهو جائز مطلوب.

ثم ذكرت أن ما أنجزه أئمة المذاهب ثروة فقهية خصبة لا نظير لها ولا مثيل في التاريخ، وأن هؤلاء الأئمة بذلوا أقصى جهودهم لإصابة الحق والصواب، فجزاهم الله عن الأمة خير الجزاء، لكن الحق لا يتعدد، وكل اجتهاد عرضة للخطأ والصواب، ويجب علينا العمل بما يتفق مع ظواهر القرآن والسنة وإجماع الأمة، وبما كان الاعتماد في الرأي على حديث صحيح، لا ضعيف، وفي غير ذلك نعمل بما يلائم المصلحة والعرف، ويتفق مع الحاجات الزمنية المتجددة، مع التزام مبدإ إحقاق الحق وإبطال الباطل، ورعاية مضمون القاعدة الشرعية " لا مساغ للاجتهاد في مورد النص ".

الدكتور: وهبة مصطفى الزحيلي

<<  <  ج: ص:  >  >>