للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الخامس

التلفيق ورأي الفقهاء والأصوليين

مسألة التلفيق تعتبر من المسائل التي لم يبدأ الخوض فيها إلا في العصور الإسلامية المتأخرة. وقد ظهرت العناية بها واضحة في نطاق العبادات ومسائل الزواج والطلاق، ثم إنه منذ ظهور الاتجاه إلى تخير الأحكام من المذاهب الفقهية والحاجة تقوى وتشتد في بحث المسألة والاهتمام بها.

والمعنى اللغوي لهذه الكلمة هو: ضم الأشياء والملاءمة بينها لتكون شيئا واحدا أو لتسير على وتيرة واحدة، وإن هذا المعنى لها هو الأكثر استعمالا، وهو مراد الفقهاء والأصوليين عند استعمالهم لها (١) .

ويذكر صاحب عمدة التحقيق تعريفا له بأنه الإتيان بكيفية لا يقول بها مجتهد، وذلك بأن يلفق في قضية وحجة بين قولين أو أكثر يتولد منها حقيقة مركبة لا يقول بها أحد، كمن توضأ فمسح بعض شعر رأسه مقلدا للإمام الشافعي، وبعد الوضوء مس أجنبية مقلدا للإمام أبي حنيفة فإن وضوءه على هذه الهيئة حقيقة مركبة لم يقل بها كلا الإمامين، ونحو ذلك من الصور التي لا تحصى، سواء كانت حقائقها مركبة من قولين أو أكثر (٢) .

وقريب من هذا التعريف ما ذكرته الموسوعة الفقهية بأن المراد بالتلفيق بين المذاهب أخذ صحة الفعل من مذهبين معا بعد الحكم ببطلانه على كل واحد بمفرده (٣) . ويذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى أن التلفيق بالمعنى السابق يمكن حصره في:

١- التلفيق في الاجتهاد.

٢- التلفيق في التقليد.

٣- التلفيق في التشريع.

ويقصد بالتلفيق في الاجتهاد هو أن يختلف المجتهدون في عصر في مسألة فيكون لهم فيها قولان أو أقوال. ثم يأتي من بعدهم من يجتهد في الموضوع نفسه ويؤدي اجتهاده إلى الأخذ من كل قول ببعضه ويكون مجموع ذلك مذهبه في المسألة المجتهد فيها (٤) وهذا النوع من التلفيق تناولته كتب الأصول في مبحث أنواع الإجماع وعنه جملة مسائل نذكر بعضا منها.


(١) أساس البلاغة للزمخشري مادة لفق. الموسوعة الفقهية مصطلح تلفيق ١٣ / ٢٨٦.
(٢) عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق ص ٩١، ٩٢.
(٣) الموسوعة الفقهية مادة لفق ١٣ / ٢٩٣، ٢٩٤.
(٤) من بحث للمرحوم الشيخ محمد أحمد فرج السنهوري بعنوان: التلفيق بين أحكام المذاهب مقدم لمجمع البحوث الإسلامية في مؤتمره الأول نشر مقتطفات منه بمجلة الأزهر عدد ذي القعدة سنة ١٣٨٣ هـ – إبريل سنة ١٩٦٤ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>