للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاتجاه الثالث: وهم المانعون:

جاء في سنن البيهقي عن الأوزاعي أن من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام.

وروي عنه أنه قال: يترك من قول أهل مكة المتعة والصرف، ومن قول أهل المدينة السماع، ومن قول أهل الشام الحرب والطاعة، ومن قول أهل الكوفة النبيذ. وحكى البيهقي عن إسماعيل القاضي قوله: من جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه (١) .

ونقل الزركشي الجزم عن النووي بأنه لا يجوز تتبع الرخص (٢) .

هذا مجمل ما قاله العلماء في هذه المسألة. والحق أنه من منعه بإطلاق فيه إجحاف بالفقه الإسلامي وبجهود فقهائه الذين أفنوا أعمارهم بنية صادقة وجهود مخلصة في الوقوف على أسرار التشريع واستخراج عيون المسائل والأحكام من أدلته، كما لا يمكن مجاراة المجوزين بإطلاق؛ فإن في ذلك انحلالاً من ربقة التكاليف ولذلك لابد من القصد في ذلك والتوسط بين الأمرين، فلا يكون التتبع لمجرد التشهي أو التلهي كما نص على ذلك وبين نظام الدين الأنصاري في فواتح الرحموت كعمل حنفي بالشطرنج على رأي الشافعي قصدا إلى اللهو، وكشافعي شرب المثلث للتلهي به، ولعل هذا حرام بالإجماع؛ لأن التلهي حرام بالنصوص القاطعة (٣) ، ومثله ما ورد عن الإمام أحمد قوله: لو أن رجلاً عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل المدينة في السماع وأهل مكة في المتعة كان فاسقًا (٤) .

وقال سليمان الثيمي: إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.

فعلى هذا ينبغي ألا يؤدي الأخذ بالرخص بحيث يؤدي إلى انحلال الدين، ذلك أن نوادر العلماء كما يقول الشيخ محمد سعيد الباني (٥) نوعان:

النوع الأول: الأقوال المرجوحة فهذه يسوغ الترخص بها فيما يظهر عند الضرورات والدواعي الموجبة ويمتنع الأخذ بها على سبيل التشهي والاسترسال مع عواصف الأهواء وتيار الملاذ، لأن ذلك يفضي إلى التلاعب بالدين والخروج من عهدة التكاليف الشرعية.

النوع الثاني: الأقوال الشاذة التي تدعى بزلات العلماء كجواز إعارة الجواري للوطء، وجواز الأكل للصائم في رمضان ما بين الفجر والإسفار، فأمثال هذه الأقوال على فرض صحة نسبتها إلى أصحابها لا يجوز الأخذ بها البتة لأنها من الشواذ المخالفة لأصول الشريعة وقواعدها.

وأفضل بدل إطلاق تتبع الرخص عليها أن نسميها بتتبع زلات العلماء أو هفواتهم حتى تكون عنوانا على ما لا يسوغ الأخذ به فضلا عن تتبعه، والله أعلم.


(١) إرشاد الفحول للشوكاني ص ٢٧٢.
(٢) البحر المحيط ٦ / ٣٢٥.
(٣) ٢ / ٤٠٦
(٤) إرشاد الفحول للشوكاني ص ٢٧٢.
(٥) عمدة التحقيق ص ١٢٠. وينظر أيضا الموسوعة الفقهية مصطلح رخصة ٢٢ / ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>