للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم

الرخصة في اللغة: عبارة عن التوسعة واليسر والسهولة.

والرخصة: ترخيص الله للعبد في أشياء خففها عنه، والرخصة في الأمر وهو خلاف التشديد ... (١) .

الرخصة في الشريعة: أورد الأصوليون غير تعريف لها: منها: هي اسم لما تغير عن الأمر الأصلي لعارض، إلى تخفيف وتيسير ترفيهًا وتوسعة على أصحاب الأعذار.. (٢) .

وقيل: هي ما بني أعذار العباد، أي ما استبيح للعذر مع قيام الدليل المحرم (٣) .

وعرفها الشافعية بقولهم: هي الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر (٤) . وقيل: هي اسم لما شرع من الأحكام متعلقا بالعوارض.

وقال صاحب التحرير: فالرخصة بهذا الاعتبار: ما شرع لعذر شاق، أو استثناء من أصل كلي يقتضي المنع مع الاقتصار على مواضع الحاجة.

فكونه مشروعًا لعذر: الخاصية التي ذكرها علماء الأصول.

وكونه شاقًّا: فإنه قد يكون العذر مجرد الحاجة من غير مشقة موجودة فلا يسمى ذلك رخصة شرعية، كالقراض والمساقاة، ونخلص من ذلك كله إلى القول:

بأن الشريعة جاءت من حيث الأمر والنهي – على مرتبتي تخفيف وتشديد، لا على مرتبة واحدة؛ لأن جميع المكلفين لا يخرجون عن قسمين قوي وضعيف، من حيث إيمانه أو جسمه في كل عصر ومكان.

فمن قوي منهم من حيث إيمانه وجسمه خوطب بالتشديد والأخذ بالعزائم.

ومن ضعف منهم خوطب التخفيف والأخذ بالرخص. وكل منهما حينئذ على شريعة من ربه وتبيان.

فلا يؤمر القوي بالنزول إلى الرخصة، ولا يكلف الضعيف بالصعود للعزيمة، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] خطابًا عامًّا، وقال صلى الله عليه وسلم ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) أي كذلك، فلا يؤمر القوي المذكور بالنزول إلى مرتبة الرخصة والتخفيف وهو يقدر على العمل بالعزيمة والتشديد لأن ذلك كالتلاعب بالدين.

وكذلك لا يكلف الضعيف المذكور بالصعود إلى مرتبة العزيمة والتشديد والعمل بذلك مع عجزه، ولكن لو تكلف وفعل ذلك لا نمنعه إلا بوجه شرعي.

فليس لمن قدر على استعمال الماء حسا أو شرعًا أن يتيمم بالتراب، وليس لمن قدر على القيام بالفريضة أن يصلي جالسًا، وليس لمن قدر على الصلاة جالسًا أن يصلي على جنب وهكذا في سائر الواجبات.


(١) ابن منظور، لسان العرب ٨ / ٣٠٦، فصل الراء. باب الصاد.
(٢) السمرقندي: ميزان الأصول (ص ٥٥) .
(٣) السرخسي: أصول ٢ / ١١٧، والنسفي: كشف الأسرار ١ / ٤٤٨.
(٤) الغزالي: المستصفى ١ / ٩٨. والآمدي: الأحكام ١ / ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>