للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس من الأدب أن يفعل المفضول مع قدرته على الأفضل فيقدم الأفضل على المفضول ندبًا مع القدرة، ويقدم الأولى شرعًا على خلاف الأولى، وإن جاز ترك الأفضل والمفضول أصالة.

ومن المعلوم ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخاطب الناس على قدر عقولهم ومقامهم في حضرة الإسلام أو الإيمان أو الإحسان.))

تأمل قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤] وخطابه صلى الله عليه وسلم للأكابر مع خطابه لأجلاف العرب، وأين مقام من بايعه صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره والمعسر والميسر ... فمن طلب أن يبايعه صلى الله عليه وسلم على صلاة الصبح والعصر فقط دون غيرهما من الصلوات ودون الزكاة والحج والصيام والجهاد وغيرها.

وقد تبع الأئمة المجتهدون ومقلدوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك.. فما وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شدد فيه عادة شددوا فيه أمرًا كان أو نهيًا، وما وجدوه خفف خففوا فيه.

وإنما تكون الرخصة للعاجز عن فعل العزيمة - بل وتكون الرخصة في حقه عزيمة وعلى كل مقلد أن لا يعمل برخصة قال بها إمام مذهبه إلا إذا كان من أهلها وإن ذلك من فعل الرخصة بشرطها، أو المفضول بشرطه فهو على هدى من ربه في ذلك ولو لم يقل به إمامه (١) .

وقال بدر الدين الزركشي في آخر كتابه القواعد: الأخذ بالرخص والعزائم في محل كل منها مطلوب راجح.

فإذا قصد المكلف بفعل الرخصة قبول فضل الله تعالى عليه كان أفضل، كما أشار إليه الحديث الصحيح: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه)) (٢) .


(١) الشعراني: الميزان الكبرى ١ / ٧ – ١٦ بتصرف.
(٢) هذا الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه عن ابن عباس.. الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ٣ / ٣٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>