للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا ثبت هذا الأصل فليعلم أن مطلوب الشرع الوفاق ورد الخلاف إليه ما أمكن كما عليه عمل الأئمة من أهل الورع والتقوى كأبي محمد الجويني وأضرابه.. فإنه صنف كتابه (المحيط) ولم يلتزم فيه المشي على مذهب معين، قال: وذلك في حق أهل الورع والتقوى من باب العزائم، كما أن العمل بالمختلف فيه عندهم من باب الرخص.

فإذا وقع العبد في أمر ضروري وأمكنه الأخذ فيه بالعزيمة فله فعل ذلك وله تركه، وكان ذلك الفعل الشديد من باب القوة والأخذ بالعزائم إن كان راجحًا.

ون لم يمكنه الأخذ فيه بالعزيمة أخذ بالرخصة، كما أن له الأخذ بالقول الضعيف في بعض المواطن فلا يكون ذلك من باب المخالفة المحضة. إذا علمت هذا، فحينئذ تعرف أن أحدًا من الأئمة الأربعة أو غيرهم لم يتقلد أمر المسلمين في القول برخصة أو عزيمة إلا على حد ما ذكرنا من هذه القاعدة، فينبغي لكل مقلد للأئمة أن يعرف مقاصدهم (١) .

هذا وكان يفتي الناس بالمذاهب الأربعة كل من الشيخ الإمام الفقيه المحدث المفسر الأصولي الشيخ عبد العزيز الديراني صاحب كتاب: الدرر الملتقطة في المسائل المختلطة وشيخ الإسلام عز الدين ابن جماعة المقدسي، والشيخ العلامة الشيخ شهاب الدين البرلسي الشهير بابن الأقيطع، رحمهم الله، والشيخ على النبتيتي الضرير.

ونقل الشيخ الجلال السيوطي رحمه الله عن جماعة كثيرة من العلماء أنهم كانوا يفتون الناس بالمذاهب الأربعة لاسيما العوام الذين لا يتقيدون بمذهب ولا يعرفون قواعده ونصوصه، ويقولون حيث وافق فعل هؤلاء العوام قول عالم فلا بأس به (٢) .

وعقب الشعراني على ذلك بالقول: كانوا – أولئك العلماء – يأمرون قويا برخصة، لا ضعيفا بعزيمة.

وإن الشيخ عز الدين بن جماعة كان إذا أفتى عاميًّا بحكم على مذهب إمام يأمره بفعل جميع شروط ذلك الإمام الذي أفتاه بقوله ويقول له: إن تركت شرطًا من شروطه لم تصح عبادتك على مذهبه ولا غيره. إذ الملفقة من عدة مذاهب لا تصح إلا إذا جمعت شروط تلك المذاهب كلها. وذلك منه احتياطًا للدين وخوفًا من أن يتسبب في نقض عبادة أحد من المسلمين.

ومن حسن القول ما جاء في الميزان: ... تفتي كل أحد بما يناسب حاله ولو لم تفعل أنت به كذلك لأنه هو الذي خوطبت فيه فاعلم ذلك واعمل عليه.. وأفت غيرك بما هو أهله. فليس لمن قدر على سهولة الطهارة أن يمس فرجه إذا كان شافعيا ويصلي بلا تجديد طهارة تقليدًا لأبي حنيفة – كما أنه ليس له أن يصلي فرضًا أو نفلاً بغير فاتحة الكتاب مع قدرته عليها، أو أن يصلي بالذكر مع قدرته على القرآن (٣) .


(١) الزركشي: المنثور في القواعد ٣ / ٣٩٦.
(٢) الشعراني: الميزان الكبرى ١ / ١٧.
(٣) الشعراني: الميزان الكبرى ١ / ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>