للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنواع الرخص

لما كانت الرخص مبنية على أعذار العباد، وأعذارهم مختلفة؛ اختلفت أنواع الرخص فانقسمت على أنواع أربعة.

نوعان من الحقيقة، أحدهما أحق من الآخر.

ونوعان من المجاز أحدهما أتم من الآخر.

منشأ هذا التقسيم وحقيقته: لما كانت الرخصة ما تغير من عسر إلى يسر بعارض عذر، والرخصة الحقيقية هي التي تبقى عزيمته معموله. فكلما كانت العزيمة ثابتة، كانت الرخصة أيضا في مقابلتها حقيقة من جميع الوجوه.

أما النوع الأول: وهو أحق نوعي الحقيقة: فهو ما استبيح مع قيام السبب المحرم وقيام حكمه جميعا وهو الحرمة، أي عومل معاملة المباح، لأن الحرمة لما كانت قائمة مع سببها ومع ذلك شرع للمكلف الإقدام عليه من غير مؤاخذة في الدار الآخرة – بناء على عذره – كان في أعلى درجات الرخص، لأن كمال الرخصة بكمال العزيمة.

مثاله: الترخص بإجراء كلمة الكفر على اللسان بعذر الإكراه التام مع قيام التصديق بالقلب.

حكمه: الأخذ بالعزيمة (في الصبر) والامتناع عن الكفر حتى يقتل أولى؛ لأن حرمة الكفر والتكلم به لا تحتمل الإباحة بحال. ويكون شهيدًا، هذا أبيح لمن خاف التلف على نفسه عند الإكراه إجراء كلمة الكفر على لسانه رخصة له.

وجه المسألة: لأن في الامتناع حتى يقتل تلف نفسه صورة بتخريب البنية، ومعنى بزهوق الروح؛ فكان الامتناع عزيمة، لأن الممتنع مطيع ربه مظهر للصلابة في الدين وما ينقطع عنه طمع المشركين وهو جهاد يكون أفضل. والمترخص بإجراء كلمة الكفر يعمل لنفسه من حيث السعي في دفع سبب الهلاك عنها فهذه رخصة له – إن أقدم عليها لم يأثم، والأول عزيمة حتى إذا صبر حتى قتل كان مأجورا (١) .

النوع الثاني: (من نوعي الحقيقة) هو ما استبيح بعذر مع قيام السبب المحرم موجبا لحكمه وهو الحرمة، غير أن الحكم متراخ عن السبب لمانع اتصل بالسبب فمنعه من أن يعمل عمله.

فمن حيث إن السبب الموجب قائم كانت الرخصة حقيقة، والاستباحة ترخصا للعذر.


(١) السرخسي: الأصول ١ / ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>