هذا وفي المحظورات لا يسوغ للعلماء التلفيق بها سواء كان بالنسبة لهم، أو من يستفتيهم إلا في مواطن الضرورة، إذ الضرورات تبيح المحظورات، لكن ما أبيح للضرورة يتقدر بقدرها.. وإنما لم يسغ التلفيق في المحظورات لكونها على الورع لحديث ابن مسعود (ما اجتمع الحرام والحلال إلا غلب الحرام الحلال)(١) وقد بنى الفقهاء عليه قاعدتين:
الأولى: إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام الحلال.
والثانية: إذا اجتمع المحرم والمبيح غلب المحرم.
أما المحظورات العائدة إلى حقوق العباد: فمبناها صيانة الحق ومنع الإيذاء لذلك لا محل فيها للتلفيق بها لأنه ضرب من الاحتيال للعدوان على الحق، وتطرق إلى إيذاء العباد، وذلك للحديث ((لا ضرر ولا ضرار)) وحديث ((كل مسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) .
أما في المناكحات والمفارقات: فالأصل في الأبضاع التحريم صيانة للفروج والأنساب، لذلك لا يسوغ أن يتخذ التلفيق ذريعة لتلاعب الناس بأقضية النكاح والطلاق؛ وقد مر بعض وجوه المنع في هذا الباب.
وأما أحكام المعاملات وأداء الأموال وإنزال العقوبات وغير ذلك من التكاليف: ينبغي الرجوع فيه إلى أصول الشرعية وقواعدها العامة في استنباط أحكامها.. فيؤخذ من كل مذهب ما هو أقرب إلى مصلحة العباد وسعادتهم ولو لزم من ذلك التلفيق لما فيه من السعي وراء تأييد المصلحة التي يقصدها الشارع وهي كما قال غير واحد من العلماء خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم.
فكل ما يضمن صيانة هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يضيعها فهو مفسدة ودفعه مصلحة.
(١) الجراحي: كشف الخفاء حديث رقم ٢١٨٦ – رواه جابر الجعفي عن ابن مسعود وفيه ضعف وانقطاع.. وقال العراقي: لا أصل له.