للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: أن لا يتبع الرخص ويلتقطها.

وهذا الشرط اعتبره الإمام النووي وغيره. لكن ابن الهمام لم يعتبره ولم يلتفت إليه.

وبعضهم شرط: أن يكون ما قلده مخالفًا للكتاب والسنة وإن قال به مجتهد.

وأضاف بعضهم: أن لا يجتمع من تقليده حالة مركبة ممتنعه الإجماع، أي ما يجتمع على بطلانه كلا المذهبين، وهذا ما قاله جمهور الفقهاء.

مثاله: كمن صلى بخروج الدم من غير السبيلين تقليدا للإمام الشافعي والمقلد حنفي المذهب ولم يزل النجاسة القليلة عن بدنه أو ثوبه بناءً على مذهبه، فصلاته باطلة اتفاقًا.

أما على مذهبه فلخروج النجاسة من البدن، وأما على مذهب من قلده، فقليل النجاسة مانعة عند الشافعي رحمه الله (١) .

هذا وإن المبتلى ديان نفسه وحكمها وأعلم بها من غيره، لهذا كثيرًا ما يفوض العلماء المسائل إلى رأي المبتلى.

والمستفتي إذا كان من أرباب العزائم وتحمل المشاق والتفرع للعبادات يفتى بالأحوط أخذًا بالورع والكمال ما لم تحق به نازلة تقتضي التخفيف، فإنه حينئذ يفتى بالأخف عليه من كل مذهب خشية العجز عن أداء التكليف فيما إذا شدد عليه بالمنع من التلفيق.

ثم إن كل طبقة من طبقات العوام المتفاوتة تفتى بما يناسبها تشديدًا أو تخفيفًا وفاقًا لمقتضى اتساع الشريعة وحكمتها، وأجرد الناس بالتسامح الضعفاء بدنًا كالمصابين بالعلل، ويلحق بهم أرباب الأعمال الشاقة ومن على شاكلتهم ...

قال العيني في شرح البخاري في حديث ((يسروا ولا تعسروا)) ما نصه: وكذلك من قارب البلوغ من الصبيان، ومن بلغ وتاب من المعاصي، يتلطف بجميعهم بأنواع الطاعة قليلاً قليلاً، كما كانت أمور الناس على التدريج في التكليف شيئًا بعد شيء؛ لأنه متى يسر على الداخل في الطاعة المريد للدخول فيها سهلت عليه وتزايد فيها غالبًا، ومتى عسر عليه أوشك أن لا يدخل فيها، وإن دخل أوشك أن لا يدوم أو يستحملها (٢) .


(١) المناوي: فيض القدير ١ / ٢١٠، والعقد الفريد – مجلة الفكر الإسلامي، عدد ٨ / ٥٥، تحقيق الباحث.
(٢) العيني على البخاري ٢ / ٤٧ باب العلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>