للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأضاف: إن مثل هذه إلزامات من الفقهاء لكف الناس عن تتبع الرخص، وإلا أخذ العامي في كل مسألة بقول مجتهد قوله أخف عليه. وأنا لا أدري ما يمنع هذا من النقل أو العقل، وكون الإنسان يتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد مسوغ له الاجتهاد، ما علمت من الشرع الذم عليه، ((وكان صلى الله عليه وسلم يحب ما خفف عن أمته)) (١) .

وقال الشرنبلالي في صحة جواز التلفيق (٢) :

يجوز التقليد من غير تقييد بالعذر مجانبا للتلفيق.

صورة المسألة: يصح تقليد الإمام مالك رضي الله عنه في عدم النقض للوضوء بما يسيل من الدم والقيح؛ سواء كان من المخرج أو غيره، وسواء كان التقليد بعد العمل بما يخالفه من مذهب أبي حنيفة، أو كان قبل العمل به.

لكن شرط لصحة ذلك: أن يأتي المقلد بما هو مسنون أو مستحب عند الإمام أبي حنيفة وهو شرط عند مالك: كأن يتوضأ ناويًا، مرتبًا، مواليًا غسله، مدلكًا جسده.

بذلك صدر رسالته الفقهية (العقد الفريد) ثم أورد اعتراضا مفاده:

فإن قلت: كيف هذا مع قول العلامة – الشيخ الكمال بن الهمام في تحريره: سأله: لا يرجع فيما قلد فيه – أي عمل فيه اتفاقا (٣) .

أجاب: قلت: لا يمنع ذلك ما قلته من صحة التقليد، بمجمل المنع على خصوص الجنس وهذه المسألة ذكرها الآمدي وابن الحاجب وتبعه صاحب جمع الجوامع.. ثم استقصى الأقوال والأدلة مما سنعرض له في حينه إن شاء الله تعالى.

ولكن هل يجوز التلفيق عند القائلين به على الإطلاق أم لهم شروط..؟

القائلون بجواز التلفيق قالوا: إن لصحة تقليد المذهب المخالف شروطًا:

الأول: ما ذكره ابن الهمام في تحريره: أنه إن عمل المقلد بحكم من أحكام مذهبه الذي تقلده لا يرجع عنه ويقلد مذهبًا أخر، وفي غير ما عمل به له أن يقلد غيره من المجتهدين (٤) .

الثاني: ما نقله ابن الهمام عن القرافي واعتمد عليه في تحريره: أن لا يترتب على تقليد من قلده أولاً ما يجتمع على بطلان كلا المذهبين (٥) .

وصورته: أن من قلد الشافعي رحمه الله تعالى في عدم فرضية الدلك للأعضاء المغسولة في الوضوء والغسل، وقلد مالكًا في عدم نقض اللمس بلا شهوة للوضوء، فتوضأ ولمس بلا شهوة وصلى؛ إن كان الوضوء بدلك صحت صلاته عند مالك رحمه الله تعالى. وإن كان بلا دلك بطلت عندهما (مالك والشافعي) (٦) .


(١) الكمال بن الهمام: التقرير والتبحير ٣ / ٣٥١.
(٢) الشرنبلالي: العقد الفريد – مجلة الفكر الإسلامي العد ٨١ ص ٣٤.
(٣) الكمال بن الهمام: التقرير والتحبير ٣ / ٣٥١.
(٤) الكمال بن الهمام: التقرير والتحبير ٣ / ٣٥٠.
(٥) الكمال بن الهمام: ٢ / ٣٥١.
(٦) ابن الهمام (التقرير والتحبير) ٣ / ٣٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>