للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوضحه: أن قائله يزعم أنه متبع لذلك الإمام سالك طريقه في العلم والمعرفة والاستدلال.. فأما مع جهله وبعده جدًا عن سيرة الإمام وعلمه بطريقته فكيف يصح الانتساب إليه إلا بالدعوى المجردة والقول الفارغ من المعنى؟! (١)

والحال ليس ما سموه بالتلفيق إلا عين التقليد من كل الوجوه، لذلك كان لابد لكل من أجاز التقليد أن يجيز التلفيق.

والصحابة رضوان الله عليهم مع اجتهادهم وتخالفهم في الأحكام كان يصلي بعضهم خلف بعض مع حكم المؤتم منهم – حسب اجتهاده بعدم صحة صلاة إمامه واشتراطه صحة صلاة المأموم بصحة صلاة الإمام.

وهذا مجتهد يصلي خلف مجتهد.. وجريًا على منهج العلماء في تصنيف المجتهدين.. يعتبر كل صحابي مجتهدًا مطلقًا، كما يوصف كل من الأئمة الأربعة ومن في مرتبتهم بأنه مجتهد مطلق..

وإذا كان كذلك.. فقد قلد المجتهد المجتهد فيما يرى خلافه. وهل يتوهم مسلم أن أبا حنيفة كان يمتنع أن يأتم بالإمام مالك، بل كانوا أجل قدرًا من أن يخطر لهم هذا التعصب على بال (٢) .

وهذا أبو حنيفة ومثاله رحمهم الله تعالى كانوا أفضل من أن يعتقدوا في أنفسهم الأفضلية على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ومع ذلك خالفوهما في كثير من الأحكام الاجتهادية.

وفقهاء كل مذهب من المذاهب لم يزالوا يجوزون الأخذ تارة بقول الإمام وتارة بقول أحد أصحابه مع أن ذلك هو عين التلفيق.

ثم ما زال عوام كل عصر يقلد أحدهم لهذا المجتهد في مسألة، وللآخر في أخرى ولثالث في ثالثة وكذلك إلى ما لا يحصى. ولم ينقل إنكار ذلك عليهم ولم يؤمروا بتحري الأعلم والأفضل في نظرهم.

وقال الكمال بن الهمام: يجوز لكل أحد من العامة أن يعمل في عبادة أو معاملة مع أي مذهب شاء، لكن بعد استيفاء جميع الشروط التي يشترطها ذلك المذهب، وإلا كان عمله باطلًا.

والعامي لا عبرة لما يقع في قلبه من صواب الحكم وخطئه، ويخرج على هذا الأصل إذا استفتى مجتهدين فاختلفا عليه فالأولى أن يأخذ بما يميل إليه قلبه منهما.

وقال: وعندي – لو أخذ بقول الذي لا يميل إليه قلبه جاز لأن ميله وعدمه سواء.


(١) ابن أمير حاج: التقرير والتحبير (ص ٣٦٥) .
(٢) الكمال بن الهمام: شرح فتح القدير ٧ / ٢٥٧ أدب القاضي.

<<  <  ج: ص:  >  >>