للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإسنوي: لكن في هذا التوجيه نظر غير خاف.

ووافق ابن دقيق العيد الروياني على اشتراط أن لا يجتمع في صورة يقع الإجماع على بطلانها، وأبدل الشرط الثالث، بأن لا يكون ما قلده فيه ممما ينقض فيه الحكم لو وقع.

واقتصر الشيخ عز الدين بن عبد السلام على اشتراطه قال: وإن كان المأخذان متقاربين جاز.

والشرط الثاني: انشراح صدره للتقليد المذكور وعدم اعتقاده لكونه متلاعبًا بالدين متساهلاً فيه.

دليل هذا الشرط: قوله صلى الله عليه وسلم ((والإثم ما حاك في الصدر)) فهذا التصريح بأن ما حاك في النفس ففعله إثم، اهـ.

قال الإسنوي: أما عدم اعتقاد كونه متلاعبًا بالدين متساهلاً فيه فلا بد منه.

وأما انشراح صدره للتقليد فليس على إطلاقه، كما أن الحديث كذلك أيضا وهو بلفظ (والاثم ماحاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس) في صحيح مسلم، وفي مسند أحمد بلفظ (والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك) (١) .

قال الحافظ المتقن ابن رجب في الكلام على هذا الحديث مشيرًا للأول: إنه إشارة إلى أن الإثم ما أثر في الصدر حرجًا وضيقًا وقلقًا واضطرابًا فلم ينشرح له الصدر، ومع هذا فهو عند الناس مستنكر بحيث ينكرونه عند اطلاعهم عليه، وهذا أعلى مراتب معرفة الإثم عند الاشتباه وهو ما استنكر الناس فاعله وغير فاعله.

ومن هذا قول ابن مسعود (ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح) . ومشيرًا إليه باللفظ الثاني (ما حاك في صدر الإنسان فهو إثم، وإن أفتاه غيره بأن ليس بإثم فهذه مرتبة ثانية، وهو أن يكون الشيء مستنكرًا عند فاعله دون غيره، وقد جعله أيضا إثمًا، وهذا إنما يكون إذا كان صاحبه ممن شرح صدره للإيمان. وكان المفتي له يفتي بمجرد الظن أو ميل إلى هوى من غير دليل شرعي.


(١) الإسنوي: نهاية السول ٤ / ٦٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>