للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما ما كان مع المفتي به دليل فالواجب على المستفتي الرجوع إليه وإن لم ينشرح له صدره، وهذا كالرخص الشرعية مثل الفطر في السفر والمرض وقصر الصلاة ونحو ذلك مما لا ينشرح به صدر كثير من الجهال فهذا لا عبرة فيه.

((وقد كان صلى الله عليه وسلم أحيانا يأمر أصحابه بما لا ينشرح به صدور بعضهم فيمتنعون فغضب من ذلك، كما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة فكره من كرهه منهم.))

وكما أمرهم بنحر هديهم والتحلل من عمرة الحديبية فكرهوه، وكرهوا مفاوضته لقريش على أن يرجح من عامه وعلى أن من أتاه منهم يرده إليهم.

وبالجملة: فما ورد به النص فليس للمؤمن إلا طاعة الله ورسوله كما قال تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦] وينبغي أن يتلقى ذلك بانشراح الصدر والرضى، فإن ما شرعه الله ورسوله يجب الرضى والإيمان به والتسليم له كما قال تعالى {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] .

وأما ما ليس فيه نص عن الله ورسوله ولا عمن يقتدى بقوله من الصحابة وسلف الأمة – فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين شيء وحاك في صدره لشبهة موجودة ولم يجد من يفتي فيه بالرخصة إلا من يخبر عن رأيه وهو ممن لا يوثق بعمله ولا دينه بل هو معروف باتباع الهوى – فهنا يرجع المؤمن إلى ما حاك في صدره وإن أفتاه هؤلاء المفتون، وقد نص الإمام أحمد على مثل هذا (١) . اهـ. (جامع العلوم والحكم ٢٤٠ الحديث السابع والعشرون) .

والحق في مسألة التلفيق أنها كمسألة إحداث قول ثالث فيما إذا اختلفوا على قولين فقط – فكما أن الحق أن المجتهد لا يجوز أن يحدث قولاً ثالثًا إذا خرق إجماع المجتهدين في عصر، كمسألة الجد مع الإخوة، حيث اختلفوا في أن يشارك الأخوة أو يختص هو بالميراث ويحجب الأخوه، فهذا إجماع منهم على عدم حرمانه.

كذلك الحق هنا أن المقلد إذا قلد لا يجوز أن يلفق بين مذهبين في صورة لا يقول بها أحد من المجتهدين كافة، بأن تكون المسألة واحدة، حقيقة أو حكما، أي بحيث لو لفق العمل بصورة لا يقول بها أحد منهم ويكون العمل فيها على خلاف إجماعهم.

ولذلك قال في مسلم الثبوت وشرحه بعد أن نقل جواز تتبع رخص المذاهب ما نصه: إنه لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعًا. فأجيب بمنع هذا الإجماع إذ في تفسيق متتبع الرخص عن الإمام أحمد روايتان فلا إجماع، ولعل رواية التفسيق إنما هو فيما إذا قصد التلهي فقط لا غيره (٢) .


(١) الإسنوي: نهاية السول. ٣ / (٦٢٦ – ٦٢٩) .
(٢) فواتح الرحموت بهامش المستصفى ٢ / ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>