للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآراء في المسألة وتاريخها:

حاول الشيخ الألباني استعراض جملة من الآراء فأكد على أن التلفيق وإن لم يكن في عصره صلى الله عليه وسلم باعتباره من العوارض التي لا يمكن وجودها حين التبليغ والتشريع، ولكنه كان ساريًا في عصر الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، فقد كان المرء يستفتي بعضهم في مسألة ثم يستفتي غيره في غيرها، ولم ينقل عن أحد منهم قوله بوجوب مراعاة أحكام مذهب من قلده، ولم يؤثر ذلك عن الأئمة الأربعة وغيرهم من المجتهدين بل نقل عنهم ما يشير إلى خلاف ذلك.

ويستطرد فيقول " فظهر من هذا أن أخذ المستفتي في عهد السلف بقول أحد علماء الصحابة في مسألة وأخذه بقول غيره من الصحابة أو التابعين في مسألة ثانية لا يقال له تلفيق، ولو أدى إلى تركب حقيقة لم يقل بها المفتيان؛ بل هو من قبيل تداخل أقوال المفتين بعضها في بعض تداخلا طبيعيًّا غير ملحوظ ولا مقصود، وكتداخل اللغات بعضها ببعض في لسان العرب" (١) .

وهكذا اعتبر طرح مسألة التلفيق بهذا النحو أمرًا مستحدثًا. ونقل عن العلامة الكواكبي في كتابه (أم القرى) الإنكار على منكري جواز التلفيق وقوله: " والحال ليس ما يسموه التلفيق إلا عين التقليد " وأضاف " وكل مقلد عاجز طبعًا عن الترجيح بين مراتب المجتهدين فبناء عليه يجوز له أن يقلد في كل مسألة دينية مجتهدًا ما، ويضيف: وهل يتوهم مسلم أن أبا حنيفة كان يمتنع أن يأتم بمالك أو يأبى أن يأكل ذبيحة جعفر، كلا بل كانوا أجل قدرًا من أن يخطر لهم هذا التعصب على بال ".

ثم نقل عن ابن تيمية ما ملخصه (إن تكليف العامي بتقليد الأعلم في الأحكام فيه حرج وتضييق، ثم ما زال عوام كل عصر يقلد أحدهم لهذا المجتهد في مسألة، وللآخر في أخرى، ولثالث في ثالثة، وكذلك إلى ما لا يحصى. ولم ينقل إنكار ذلك عليهم ولم يؤمروا بتحري الأعلم والأفضل في نظرهم) .

ثم إنه استند إلى ما هو الشائع من أنه لا يجب التزام مذهب معين وهكذا استمر في تأييد هذا المنحى بنقل مختلف الأقوال.

ومن المناسب أن ننقل هنا نصا للشيخ عبد العلي الأنصاري في فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت لابن عبد الشكور إذ يقول " وقيل: لا يجب الاستمرار ويصح الانتقال، وهذا هو الحق الذي ينبغي أن يؤمن به ويعتقد به لكن لا ينبغي أن يكون الانتقال للتلهي، فإن التلهي حرام قطعًا في التمذهب كان أو في غيره؛ إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله تعالى والحكم له، ولم يوجب على أحد أن يتمذهب بمذهب رجل من الأئمة، فإيجابه تشريع جديد. ولك أن تستدل عليه بأن اختلاف العلماء رحمة بالنص وترفيه في حق الخلق) .


(١) عمدة التحقيق ص ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>