فالإطلاقات لا يمكنها أن تشمل المتعارضين. والسيرة العقلائية الجارية على التخيير بينهما غير ثابتة؛ بل العقلاء يعتمدون الاحتياط وسيرة المتشرعة لم يحرز كونها متصلة بزمان الشارع، والإجماع منقول بخبر الواحد، ولا يمكننا الاعتماد عليه من جهة، ومن جهة أخرى فإنها مسألة مستحدثة لم يتعرض لها الفقهاء في كلماتهم.
هذا وقد قلنا بإمكان ادعاء السيرة المتشرعية؛ بل القطع بها لمن يلاحظ هذه الحالة الشائعة في كل العصور وخصوصًا في عصر صدر الإسلام.
على أنه من الممكن أن نتصور شمول أدلة الحجية للفتويين المتعارضتين، لا من باب اعتبار المكلف عالمًا بمضمون الفتويين معًا ليلزم منه الجمع بين الضدين أو النقيضين؛ بل من باب الجامع بين الفتويين. ولا مانع من تعلق الشوق المولوي بأحد فردين يحقق كل منهما غرضه، أو يقال: إن مصلحة التسهيل على المكلفين بإرجاعهم إلى المجتهدين – رغم العلم باختلافهم – تولد شوقًا إجماليا لعمل المكلفين بإحدى الفتاوى التي تمت من خلال عملية مشروعة، ولا نجد في هذا ضيرًا ومخالفة لأي أمر عقلي.
فقد توجه الدولة مثلاً مراكز متنوعة لتصدير الأوامر، وهي تعلم أن اجتهادات هذه المراكز قد تختلف في تفسيرها للقوانين واكتشاف مرادات الحاكم؛ إلا أنها تتغاضى عن ما يحدث نتيجة ذلك من مخالفات غير مقصودة تحقيقًا للمصلحة العليا وهي تطبيق قوانينها إلى أقصى حد ممكن. ولكي يتوضح هذا الأمر لنلاحظ إمكان أن يصرح الحاكم بهذا الموضوع دونما إحساس بأي نقص أو مشكلة في تقبل ذلك.
أما لغة الاحتياط فقد لا نجد لها مجالاً في كثير من الأحوال القانونية العامة خصوصًا إذا لاحظنا الأمر على الصعيد البشري العام.
وقد أشار السيد الخوئي رحمه الله في نهاية بحثه هنا إلى أننا قد نتصور جعل الحجية لكل منهما مشروطًا بالأخذ به، وهو أمر معقول ثبوتًا؛ إلا أنه ناقش فيه إثباتًا بأن الأدلة جعلت الحجية لفتوى الفقيه دون تقييد بعنصر الالتزام بها.
وهنا نقول بإمكان أن يدعي أحد بأنه رغم عدم التقييد بالالتزام في الموارد العادية فقد يمكن أن يدعي أن الفهم العرفي الذي يواجه حالة التخالف بين الموردين يلجأ إلى هذا التقييد.
ويتوضح هذا الفهم العرفي عندما نلاحظ ما جاء في الأخبار الدالة على التوسعة في الخبرين المتعارضين، وأن المكلف له أن يأخذ بأيهما شاء من باب التسليم طبعًا؛ إذا تغاضينا عن ما في سندها وعممنا دلالتها لغير الروايتين المتعارضتين؛ بل حتى لو لم نعمم ولم يتم إسنادها فإنها تكشف عن حالة عرفية في الفهم.