للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحقيقة هي أنه يقل من يتتبع الرخص شخصيًّا وبقصد التلهي.. ودعنا من شعر الشعراء وقصص القاصين.. فالباب بنفسه مفتوح.

بعض الفوائد التي تتصور لانفتاح باب التبعيض والاستفادة من الرخص:

وما يمكن أن يذكر هنا من فوائد لانفتاحه يمكن تصويره بما يلي:

أولاً: ليس لنا أن نغلق بابًا للتسهيل تفتحه القواعد، فلماذا نمنع فردًا يستطيع الاستفادة من رخصة مذهب يعتبر بشرعيته إجمالاً، وربما كانت هناك حالات تؤثر فيها هذه الرخصة أثرًا كبيرًا كما في أمور الزواج والطلاق مثلاً.

ثانيًا: قد يتطلب التخطيط لبرنامج إسلامي موحد لتنظيم شؤون جانب حياتي اللجوء إلى فتوى معينة – ولا نصر على كونها ترخيصية – تنسجم مع المصلحة العامة وتشكل مع غيرها مجموعة متكاملة، وهو ما يسمى أحيانا بالدافع الذاتي في انتقاء الفتوى، وهذا ما يمكن أن يطرح مثلاً في مسألة توحيد أوائل الشهور القمرية أو مسألة عدم الاعتبار بطلاق الغضبان وغيرها.

ثالثًا: ربما يجد الباحث المسلم لكي يكتشف مذهبًا حياتيًّا كالمذهب الاقتصادي الإسلامي، أو المذهب الاجتماعي فتاوى منسجمة مع بعضها لدى مفتين متعددين لكنها تشكل وجهًا واحدًا لخط عام، فإنه يستطيع أن يطرح ذلك الخط كصورة اجتهادية عن المذهب المذكور؛ وهذا ما فعله المرحوم الشهيد الصدر – وهو من كبار المجتهدين – في كتابه (اقتصادنا) وقال مبررًا ذلك: " إن اكتشاف المذهب الاقتصادي يتم خلال عملية اجتهاد في فهم النصوص وتنسيقها والتوفيق بين مدلولاتها في اطراد واحد وعرفنا أن الاجتهاد يختلف ويتنوع تبعًا لاختلاف المجتهدين في طريقة فهمهم للنصوص وعلاجهم للتناقضات التي قد تبدو بين بعضها والبعض الآخر، وفي القواعد والمناهج العامة للتفكير الفقهي التي يتبنونها. كما عرفنا أيضا أن الاجتهاد يتمتع بصفة شرعية وطابع إسلامي ما دام يمارس وظيفته، ويرسم الصورة ويحدد معالمها ضمن إطار الكتاب والسنة ووفقًا للشروط العامة التي لا يجوز اجتيازها ...

وينتج عن ذلك كله ازدياد ذخيرتنا بالنسبة إلى الاقتصاد الإسلامي، ووجود صور عديدة له كلها شرعي وكلها إسلامي، ومن الممكن حينئذ أن نتخير في كل مجال أقوى العناصر التي يجدها في تلك الصورة وأقدرها على معالجة مشاكل الحياة وتحقيق الأهداف العليا للإسلام، وهذا مجال اختيار ذاتي يملك الباحث فيه حريته ورأيه " ويضيف:

" إن ممارسة هذا المجال الذتي ومنح الممارس حقًّا في الاختيار ضمن الإطار العام للاجتهاد في الشريعة قد يكون أحيانا شرطًا ضروريًّا من الناحية الفنية لعملية الاكتشاف".

ويضيف متسائلًا: " هل من الضروري أن يعكس لنا اجتهاد كل واحد من المجتهدين – بما يتضمن من أحكام – مذهبًا اقتصاديًا متكاملاً وأسسًا موحدة منسجمة مع بناء تلك الأحكام وطبيعتها؟

ونجيب على هذا السؤال بالنفي لأن الاجتهاد الذي يقوم على أساسه استنتاج تلك الأحكام معرض للخطر. وما دام كذلك فمن الجائز أن يضم اجتهاد المجتهد عنصرًا تشريعيًّا غريبًا على واقع الإسلام.. ولهذا يجب أن نفصل بين واقع التشريع الإسلامي كما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وبين الصورة الاجتهادية كما يرسمها مجتهد معين (١) .

وهكذا يقول بأن فتح باب التبعيض وحتى باب اتباع الرخص – ولكن بشكل يبعده عن الابتذال – أمر مرغوب فيه.

والله أعلم

محمد علي التسخيري


(١) اقتصادنا ٢ / ٣٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>