للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما هو الموقف من هذه الحالة؟

إن مقتضى جواز التلفيق جواز اتباع الرخص حتى ولو كان ذلك عن قصد، فما الداعي الذي دعى بعض العلماء إلى رفضه؟.

ما يمكن أن يذكر من دواعي الرفض هو:

أولاً: أن فتح هذا الباب يؤدي إلى التحلل فالإنسان ميال لتخفيف أعباء التكاليف، فإذا ما تتبع الرخص فقد صفة المؤمن الملتزم.

ثانيًا: إنه يؤدي إلى التحايل على الشرع وفتح منافذ لتطبيق الحرام بالتركيب بين ترخيصين مثلاً.

ثالثًا: أنه يؤدي إلى مخالفة حكم الحكم الشرعي.

رابعًا: أنه يؤدي إلى المضرة والمفسدة.

خامسًا: أنه يؤدي إجمالاً إلى حالة مقطوع بفسادها وحرمتها.

سادسًا: تفسيق متتبع الرخص على المرسل على ما جاء عن الإمام أحمد في رواية عنه.

سابعًا: أنه لا ينسجم مع حصر المذاهب بالمذاهب الأربعة والإجماع على لزوم اتباع أحدها بمفرده.

ومن الجدير بالذكر أن ما جاء في الأمر السابع أمر غريب جدًّا، فإن تتبع الرخص لا يتنافى في نفسه مع حصر المذاهب، ولا إجماع على لزوم اتباع أحد المذاهب الأربعة بمفرده؛ بل ليس هناك إجماع على لزوم حصر المذاهب بالأربعة. على أن كل الدواعي التي دعت إلى حصرها لا تجد لها ما يبررها إن قبلنا أنها كانت مبررة سابقًا – وهذا ما نرفضه أيضًا" كما رفضه الكثير من العلماء والمحققين (١) .

والذي أعتقد بأن هذه الدوافع المذكورة توجد بنحو الإجمال في بعض الحالات. الأمر الذي دفع العلماء إلى تحريم أصل هذا التتبع من باب سد الذرائع وتحريم مقدمة الحرام؛ بل إن بعض هذه الدواعي والموانع يشكل دليلاً – لو تحقق – على رد كل الموارد، وهو ما ذكر في الداعي الثالث حيث يتشكل علم إجمالي يمنع من العمل بأطرافه.

والحق هو أننا لا نستطيع أن نغلق بابًا ينسجم مع القواعد الشرعية – لو تمت – لمجرد أنه أمر يسهل فيه التحايل، أو قد يؤدي إلى المفسدة، أو مخالفة الحكم الشرعي إلا إذا غلبت هذه الأمور عليه وبشكل استثنائي.


(١) يمكن هنا الرجوع إلى ماكتبه أستاذنا السيد محمد تقي الحكيم في (أصول الفقه المقارن ص ٥٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>