للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥- إن أعمال القلب الاختيارية المحرمة لا يرخص لها أبدًا، كالكفر بالقلب عند الإكراه، وكترك تغيير المنكر بالقلب، إذا لم يستطع تغييره باليد وباللسان، وكالكبر والحسد وما إلى ذلك من الأعمال الباطنة المحرمة.

٦- إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يجب أن تؤتي عزائمه (١) فالرخصة حكم الله كما أن العزيمة حكمه، فقد تكون الرخصة واجبة وقد تكون مندوبة أو مباحة أو خلاف الأولى، فعلى العبد أن يأتي منهما ما تقتضيه الحالة على وفق الشريعة، ولا يستنكف عن الأخذ بالرخصة إذا توفرت شروطها ودعت الشريعة إليها.

٧- إن المشقة والحرج إنما يعتبر في موضع لا نص فيه، أما مع النص بخلافه فلا (٢) . فلا يجوز القصر في الصلاة للزراع والعمال ولمن اشتغل في الأكساب الشاقة، مع أن مشقتهم أشد من المسافر المترفه ظاهرًا، لأن كثيرًا من الصحابة رضي الله عنهم كانوا مشتغلين في مثل هذه الأكساب ولم يرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رخص للمسافرين.

٨- لا يجوز تتبع الرخص، أي أن يأخذ من كل مذهب فقهي مباحه على سبيل التشهي والتلهي، فإنه اتباع للهوى وهو حرام (٣) لقوله تعالى {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى} [النساء: ١٣٥] وقوله تعالى {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ} [القصص: ٥٠] .

أما عند الضرورة والحاجة جاز الإفتاء بما هو أيسر على المستفتي أو المجتمع بمذهب من المذاهب الفقهية الأربعة المتبوعة المنقولة عن المجتهدين نقلاً يعتمد عليه، بشرط أن يلتزم المفتى جميع ما يوجبه ذلك المذهب المرجوع إليه في تلك المسألة من الشروط والقيود، فإن الحكم الملفق باطل بالإجماع (٤) .

هذا ما أختم به بحثي، مع أني كنت حريصًا على البحث عن " تتبع الرخص " و " التلفيق " وما يتعلق بهما، لتتم الفائدة، لكن سدتني عما كنت أريد كثير من العوائق، فاقتصرت على تقديم هذه الأوراق إلى المجلس على قاعدة " ما لا يدرك كله، لا يترك كله "، راجيًا من الله سبحانه وتعالى أن يقبلها ويجعل لها حظًّا ما في المشاركة لدراسة موضوع الرخص – والله سبحانه وتعالى أعلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وله الحمد أولاً وآخرًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد المصطفى وعلى آله وأصحابه ومن بهم اقتدى

محمد رفيع العثماني


(١) رواه أحمد والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما، ورواه الطبراني عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم مرفوعًا، لكن وقفه على ابن مسعود أصح – فيض القدير: ٢ / ٢٩٢.
(٢) الأشباه والنظائر مع شرحه للحموي، تحت القاعدة الرابعة من الفن الأول: ص ١١٧.
(٣) الموافقات للعلامة الشاطبي: ٤ / ١٤٥.
(٤) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين رحمه الله قبيل باب الأذان: ١ / ٣٨٢ – ٣٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>