للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضوابط الأخذ بالرخصة

أما ضوابط الأخذ بالرخص فلم أجدها في كتب الفقه والأصول مضبوطة مرتبة في موضع واحد، والسبب أن المشقة تختلف باختلاف الطبائع والأشخاص، والأزمان والأحوال وقوة العزائم والتحمل، فليس للرخصة حكم واحد، بل يختلف حكمها وطرقها وقدرها باختلاف أسبابها وأنواعها ومحالها، كما رأيته فيما سبق من البحث. فضبط الضوابط غير يسير.

لكن يمكن استنباطها وضبطها مما مر في هذا البحث من بيان يسر هذا الدين، والآيات والأحاديث والقواعد الفقهية فيه، وبيان معنى رفع الحرج، وتقسيم المشقة إلى العادية وغير العادية، وتعريف الرخصة، وبيان أنواعها، واختلاف أحكامها وأسبابها، وطرقها، وكيفياتها، وبيان مراتب المشقة الجالبة للتيسير والرخص، وبيان الضرورة والحاجة.

وهذا الفقير إلى الله سبحانه وتعالى وإن لم يكن أهلاً لمثل هذا الاستنباط، فلا بعد في أن يوفقه الله لشيء من ذلك، فإنه على كل شيء قدير، فرجاءً لتوفيقه تعالى أقول وبه أستعين وعليه التكلان:

١- إن الرخصة لا بد لها من دليل شرعي من الأدلة الأربعة، ولا يكفي فيها وجود العذر فقط، كما ذكرته في أوائل البحث في "التنبيهات". وإلا لزمت مخالفة الدليل الشرعي القائم الموجب للحكم الأصلي، من غير دليل.

٢- لابد أن تكون الضرورة الملجئة إلى ارتكاب المحرم موجودة محققة في الحال، لا موهومة أو منتظرة في المآل – كالجائع الذي لم يصل جوعه إلى حد الاضطرار، فتناوله الميتة في هذه الحال بناءً على تيقنه أنه سوف لا يجد غيرها في المآل، لا يجوز. لأن الضرورة منتظرة غير موجودة في الحال.

٣- لابد للعامل برخصة أن يعلم شروطها وحدودها حسبما قررها الفقهاء – رحمهم الله – فيحافظ عليها ولا يتجاوز عنها.

توضيحه: أن الفقهاء ذكروا مع كل رخصة شروطها وحدودها، وهي تختلف باختلاف أنواع الرخصة وأسبابها وطرقها، وباختلاف الأزمان والأحوال والأشخاص، وباختلاف قدر المشقة وما إلى ذلك كالمريض إذا لم يضعفه الصوم فالفطر له خلاف الأولى وإن ضعفه فالفطر أولى وإن خاف الهلاك على نفسه فالفطر واجب – وكالمضطر لا يجوز له التناول من الميتة أو الخمر فوق ما يدفع الهلاك عن نفسه، لأن الضرورة تتقدر بقدرها – فلابد من المحافظة على الشروط والحدود.

٤- لا يجوز للمضطر والمكره الترخص للحرام إلا أن يتعين عليه ارتكابه، أي لا يجد هنالك لدفع الهلاك عن نفسه وسيلة أخرى، ويغلب الظن أن دفع الهلاك إنما يمكن بارتكاب المحرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>