للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قسم آخر للمشقة:

وهنا قسم للمشقة: وهي المشقة التي لا انفكاك عنها إلا بترك الأعمال المطلوبة في الشرع من غير بدل، وإلا بترك ما هو المقصود بتشريعها. كالمشقة التي تصيب أصحاب الجرائم كألم الحدود، ورجم الزناة، وقتل الجناة، وقتال البغاة، فإنه لا أثر لها، فإنه لو رخص لهم، أو خفف عنهم لفاتت المصالح التي بنيت عليها تلك العقوبات. وكذا مشقة السفر التي لا انفكاك للحج والجهاد عنها، فإنه لو أسقط السفر لانعدما رأسًا (١) .

الضرورة والحاجة المرخصة:

وقد أبان علماء قواعد الفقه مراتب الرغبة، فقالوا: المراتب خمسة: ضرورة، وحاجة، ومنفعة، وزينة، وفضول (٢) .

فالضرورة أن يبلغ الإنسان حدا إن لم يتناول الممنوع هلك، أو قارب الهلاك. وهذه الحالة تبيح له الحرام شرعًا، بقدر الضرورة كالمضطر للأكل أو اللبس، بحيث لو بقي جائعًا أو عريانًا، لمات، أو تلف منه عضو، ولا يشترط أن يتيقن المرء من الوقوع في الموت أو الهلاك، وإنما يكفي أن يغلب على ظنه ذلك.

والحاجة: أن يكون الإنسان في حالة من الجهد والمشقة التي لا تؤدي إلى الهلاك إذا لم يتناول المحرم شرعًا – وهذه الحالة لا تبيح المحرم وإنما تبيح الفطر للصائم، مثل الجائع الذي لو لم يجد ما يأكله، لم يهلك، وإنما يكون في ضيق وجهد ومشقة؛ فهي في مرتبة دون الضرورة.

والمنفعة: أن ينتفع المرء بشيء أساسي كخبز البر ولحم الغنم والطعام الدسم.

والزينة: أن يشتهي المرء شيئًا من الكماليات في عرفنا الحاضر، كمن يشتهي أكل الحلويات والفواكه، أو يرغب في لبس الثياب الفاخرة المنسوجة مثلاً من حرير وكتان.

والفضول: وهو التوسع باستعمال ما لا ينفعه، كمن يريد استعمال أواني الذهب والفضة، وشرب الخمر (٣) .

والحاصل: أن الرخصة إنما هي مشروعة لدفع الضرورة أو الحاجة، لا لجلب المنفعة والزينة أو الفضول.


(١) الأشباه والنظائر لابن نجيم – الفن الأول ص ١١٥. بتصرف وزيادة واختصار.
(٢) شرح الحموي على الأشباه لابن نجيم ١ / ١١٩ تحت القاعدة الخامسة من الفن الأول، والأشباه والنظائر للسيوطي، في آخر القاعدة الرابعة " الضرر يزال " ص ٨٦.
(٣) الضرورة الشرعية، للدكتور وهبة الزحيلي: ص ٢٤٦ وص ٣٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>