للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما تبين لنا من خلال دراستنا أن مفهوم الرخصة تستعمل في الأبحاث الفقهية في ثلاثة معان هي:

١- بمعنى مبدأ اليسر والتيسير في التشريع الإسلامي. والرخصة بهذا المعنى لها مضمون واسع جدًا حيث يمثل هذا المعنى أساس مبدأ من مبادئ الفقه الإسلامي وخاصة في الاجتهاد الاستصلاحي الذي يستفاد منه في جميع أنواع الاجتهاد الهادف إلى إيجاد الحلول المناسبة للمسائل الفقهية.

٢- بمعنى ما شرع من الأحكام للتيسير على العباد بناء على الأعذار المعتبرة شرعًا. وهذا المعنى هو مقابل العزيمة. والعزيمة هي ما شرع ليكون قانونًا عامًا لكل الملكفين في الأحوال العادية. وهذا الاستعمال هو الاستعمال الاصطلاحي لمفهوم الرخصة في أصول الفقه.

٣- بمعنى اختيار ما هو أيسر وأهون على الشخص من الاجتهادات المختلفة للمذاهب الفقهية. وهذا هو التلفيق بالمعنى الأعم. أما التلفيق بمعناه الأخص كما سنرى فهو جمع آراء مذاهب مختلفة في مسألة معينة حتى لا يمكن اعتبار هذا الجمع مقبولاً في أي مذهب من المذاهب.

قد اهتم الأصوليون ببيان المعنى الثاني من هذه المعاني في مؤلفاتهم الأصولية اهتمامًا كبيرًا. ونحن سنقوم بدراسة هذا النوع من الرخصة لابراز الفرق بينها وبين استعمالات الرخصة الأخرى من جهة ولكون هذا الموضوع هو الموضوع الرئيسي للجلسة التي سنعرض فيها بحثنا هذا من جهة أخرى.

وقد تناول العلماء المعنى الثالث من هذه المعاني بالبحث والتدقيق بعد مضي حقبة معينة من تاريخ التشريع الإسلامي وألف في ذلك مؤلفات متخصصة. وسنحاول تقويم الرخصة بهذا المعنى (تتبع الرخص) في الباب الثاني من بحثنا هذا لكون هذا الموضوع من الموضوعات المقررة تناولها في هذه الجلسة أيضًا.

أما الرخصة بالمعنى الأول مما كتب حولها متوزعة في مواضع شتى من أدب الفقه الإسلامي لكون الرخصة بهذا المعنى ذات مضمون واسع جدًا، إلا أنا نرى في بعض مؤلفات قواعد الفقه الكلية محاولة جمع شتات هذا الموضوع إلى حد معين.

ونحن لن نقوم في بحثنا هذا بتعداد النصوص المؤكدة على مبادئ التيسير والتي تشكل نقطة الانطلاق للأحكام المتعلقة بحكم الرخصة (بمعناها المقابل للعزيمة) وكذلك للآراء القائلة بالاستفادة من المذاهب المختلفة ولن نقوم أيضا بتعداد القواعد الكلية المتعلقة بهذا الموضوع لكون تلك القواعد والنصوص معلومة لدى جميع الباحثين.

من ناحية أخرى سنكتفي فقط ببيان النزعات المختلفة لعدم إطالة البحث ولن نقوم بنسبة الآراء إلى قائليها كما نتجنب ذكر الآراء المتعلقة بالتفاصيل مع إمكان الإكثار من ذكر أسماء العلماء في كل مسألة واعتناء علماء الأصول بدراسة هذه المواضيع بشكل واسع. وسنشير إلى المصادر عند لزوم ذلك ونذكر هذه الإحالات في التعليقات في نهاية البحث.

<<  <  ج: ص:  >  >>