للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمكلف حينئذ أمام أمرين:

١) أن يطالب بما يقتضيه هذا التكليف من الحرج والمشقة. وهذا أمر لا يمكن قبوله في التشريع الإسلامي لتعارضه الواضح مع مبدأ التيسير المقرر في النصوص الشرعية.

٢) أن ينبذ فكرة التكليف وراء الظهر بالكلية وهذا يؤدي حتمًا إلى اعتياد الشخص لعدم مراعاة التشريع فيفقده فكرة الانضباط (يدرك هذا الأمر أحسن إدراك المشتغلون بالرياضة الروحية أو تربية الأطفال أو ترويض الحيوانات لتعويدهم القيام ببعض الأعمال) . لذلك نرى أن هذا الخيار معارض أيضا للتشريع الإسلامي كالخيار الأول، لما ذكرناه من أنه يؤدي إلى إزالة فكرة الطاعة والنظام. لذلك ينبغي العدول في هذه الحالات الخاصة إلى التمسك بأحكام هي بمثابة بدائل عن الحكم الأصلي المتروك، تمسكًا يشعر بالبقاء في إطار المشروعية وفي هذه الحالة أي في حالة ترك أحكام العزيمة والأخذ بأحكام الرخصة عند تحقق الأعذار المبيحة لذلك، يبقى المكلف متصرفًا في إطار التشريع ولا يؤدي ذلك إلى الإضرار بفكرة الالتزام بالأحكام الشرعية.

وقد لفت النظر الإمام الشاطبي إلى الناحية نفسها بالعبارات التالية (١) :

كل أمر شاق جعل الشارع فيه للمكلف مخرجًا، فقصد الشارع بذلك المخرج أن يتحراه المكلف إن شاء، كما جاء في الرخصة الشرعية المخرج من المشاق. فإذا توخى المكلف الخروج من ذلك على الوجه الذي شرع له. كان متمثلاً لأمر الشارع، آخذًا بالحزم في أمره، وإذ لم يفعل ذلك وقع في محظورين: أحدهما مخالف لقصد الشارع؛ والثاني سد أبواب التيسير عليه وفقد المخرج عن ذلك الأمر الشاق، الذي طلب الخروج عنه بما لم يشرع له.

مع ذلك الأصوليون لم يتفقوا على استعمال هذين المفهومين (العزيمة والرخصة) على وجه حصر الأحكام على هذين القسمين (٢) .

كما لم يتفق الأصوليون على استعمال كلمة العزيمة بحيث يشمل جميع الأحكام التكليفية، فبينما يرى الجمهور أن الأحكام التكليفية الخمسة (الواجب، المندوب، الحرام المكروه، المباح) يمكن تسميتها بالعزيمة، يرى بعض الأصوليين أن العزيمة تطلق على الواجب فقط، والبعض الآخر يطلقها على الواجب والمندوب في حين يقصد البعض بالعزيمة جميع الأحكام التكليفية باستثناء الحرام (٣) .


(١) الشاطبي، الموافقات، ١ / ٣٤٦.
(٢) البخاري، كشف الأسرار، ٢ / ٢٩٨.
(٣) انظر لأصحاب الآراء: أبو النور زهير، أصول الفقه، ١ / ٨٧ – ٨٨؛ النملة، الرخص الشرعية، ص: ٤٦ – ٤٩؛ سليم، الرخص وأسباب الترخيص في الفقه الإسلامي، ص: ١٧ – ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>