للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا فإن العلماء المسلمين الذين أولوا اهتمامًا كبيرًا لفكرة المشروعية، أرادوا أن يقعدوا التغيرات الحاصلة في بعض الحالات في وصف أفعال المكلف التي توصف داخل نظام معين بالفرض أو الواجب والمندوب والحرام والمكروه (أحكام العزيمة) أرادوا أن يقعدوا تلك النظريات بالفكرة نفسها ضمن نظام معين وحاولوا تكوين نظرية متعلقة بهذا الموضوع بتناول هذه الحالات في إطار مفهوم الرخصة.

ويمكن اعتبار موقف العلماء المسلمين من هذه المسألة في نفس الوقت ضرورة ونتيجة للتمسك بفكرة التناسق وعدم التناقض التي تلهمها وتوجه إليها نصوص كثيرة من مثل الآية الكريمة {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢] نتيجة لاعتقادهم بأن الشريعة الإسلامية نظام يحتوي على كل فكر ولا ينطوي على تناقضات داخلية.

عندما ندرس هذه الحالات الخاصة وأحكامها نرى أنه ليس للشخص صلاحية الإخلال بأحكام الأحوال العادية مهما كانت الظروف، فمثلاً لا يجوز للشخص أن يقتل غيره لينقذ حياة نفسه. إن القيام ببعض الأفعال التي تحرم في الأحوال العادية في حالة الاضطرار (كأكل لحم الخنزير) واجب عند جمهور العلماء بينما يرى فريق من العلماء أن حالة العذر هذه لا تخرج الفعل عن كونه حرامًا بل يسقط العقوبة فقط، ولذلك فارتكاب هذا الفعل إنما هو مباح وليس بواجب، كما أوضحنا في بحثنا هذا فإن هناك اختلافًا في تقويم بعض الحالات الواقعية وتطبيق المبادئ على الأحداث كهذا الاختلاف وأمثاله.

من الممكن اعتبار التزام مذهب معين لشخص ليست عنده القدرة على الاطلاع على أدلة الأحكام وتقويمها، يمكن اعتباره طريقة أكثر أمانًا لتحقيق انتظام الحياة الدينية وتناسقها لدى ذلك الشخص. إلا أن العلماء المحققين لم يروا بأسًا بتطبيق أحكام مذاهب مختلفة عند الحاجة إلى ذلك دون أن يؤدي ذلك إلى تصرف الأشخاص حسب أهوائهم ومع الأخذ بعين الاعتبار مبدأ الأخذ بالأحوط في مسائل الحرام. إن هناك وظائف هامة تقع على عاتق الأشخاص والمؤسسات التي تتولى القيام بعملية الإفتاء وواجب البحث الإسلامي من حيث القيام بالتوصيات اللازمة وإنارة أفكار المجتمعات الإسلامية وذلك بالتوصل إلى الآراء التي تستجيب لحاجات المجتمع حسب ظروف الحياة المعاصرة أحسن استجابة والأكثر موافقة لمقاصد الشارع والأقوى دليلاً للوجوه المذكورة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

سعادة الدكتور إبراهيم كافي دونمز

كلية الإليهات – جامعة مرمرة – استنبول

<<  <  ج: ص:  >  >>