فكل هذه التعريفات وإن اختلفت ألفاظها لكنها كلها متقاربة المعنى ولكن التعريف الذي اختاره البيضاوي هو أحسن وأجمع عندي لأن لفظ " الحكم " المذكور في التعريف " جنس" يدخل فيه الرخصة والعزيمة، وأما لفظ " الثابت" فالثبوت يحتاج إلى دليل فالمراد أن الرخصة لابد لها من ثبوت ودليل، وأما قوله:" على خلاف الدليل " فالدليل عام يشمل المحرم والموجب وما يدل على الندب – فخرج منه العزيمة لأن العزيمة ما يقتضيه الدليل الأصلي، وأيضا يخرج منه كل ما ثبت موافقًا للدليل ولم يوجد دليل على منعه فلا تكون إباحتها ثابتة على خلاف الدليل وأيضا خرج منه الحكم الثابت بدليل ناسخ لحكم منسوخ، لأن المنسوخ ليس بدليل فليس هذا الحكم الثابت بدليل ناسخ حكمًا ثابتًا على خلاف الدليل وأيضا لم يدخل في هذا التعريف الحكم الثابت بدليل راجح على خلاف المرجوح لأن المرجوح ليس بدليل، وأيضا قول البيضاوي " لعذر" لفظ عام يتناول الضرورة والحاجة كلتيهما وهذا على خلاف ما اشترطه الشاطبي " بعذر شاق" وهذا أصح، لأن الرخصة كما تكون في حالة الضرورة قد تكون في الحاجة أيضًا، وأيضا قد خرج منها الموانع الشرعية كالحيض لأن هذه الموانع تمنع المشروعية فلا يسمى إسقاطًا.
مشروعية الرخصة:
الأصل الكلي أن الله تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها وهو خبير بعباده بصير بأحوالهم – فما جعل في الدين من حرج، وهذا التسامح واليسر في الدين هو المبدأ الذي يبتنى عليه حكم الرخصة ولذلك أجمع العلماء على اعتبار الرخصة في الشريعة، وكتاب الله تعالى يدل على اعتبار الحرج كسبب للتخفيف والتيسير، فيقول الله تعالى: