للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلاصة القول أن الأصوليين الشافعية وتبعهم الحنابلة والمالكية اهتموا اهتمامًا بالغًا بالتقسيم الأول، أعني تقسيم الرخصة باعتبار أحكامها الشرعية من الوجوب والندب، والإباحة والكراهة ثم بعضهم ثلث القسم كالنووي في الأصول والضوابط، وبعضهم ربع القسم كالجلال في شرحه على الجمع، وبعضهم خمس القسم كالسيوطي في "الأشباه والنظائر " واختلافهم في عدد أنواع هذا التقسيم نشأ من استقصاء التتبع وعدمه، وهذا التقسيم للرخصة يوجد عند الأحناف أيضًا، لكن لا مستقلاً بل في ضمن الأمثلة المتقدمة في بحث الرخصة، فعندهم أيضا بعض أفراد الرخصة واجب وبعضها مندوب، وبعضها مباح وبعضها خلاف الأولى كما هو ظاهر من تتبع كتبهم وما اطلعت على مثال للمكروه ضمن أمثال الرخصة عند الأحناف، وأما الحرام فليس من أنواع الرخصة عند أحد كما هو الظاهر لأن الحرمة تنافي الرخصة.

التقسيم الثالث

الرخصة باعتبار الكمال والنقصان:

حينما لاحظنا الرخصة من حيث الكمال والنقص فوجدنا أن بعض الرخص لها حكم خاص باعتبار أن الشرع حينما رخص في تلك المسألة وأباح الترك فلم يوجب قضاء هذا العمل في وقت آخر، يعني هذا عفو كامل من الشرع كما أن الشرع أباح ترك الوضوء لفقد الماء وأمر بالتيمم فذهبت فرضية الوضوء من الأصل بخلاف ما إذا أباح الشرع ترك الصوم للمريض والمسافر في شهر رمضان وأباح لهما الإفطار ولكن لم تذهب فرضية الصيام بأصلها بل بقي وجوب القضاء في أيام أخر فالرخصة التي لم يبق فيها شيء، هي " رخصة كاملة" مثاله مسح الخف والتيمم، والرخصة التي بقي معها شيء كرخصة الإفطار فهذه رخصة ناقصة.

قال الإمام بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الشافعي الزركشي (المتوفى ٧٩٤هـ) :

تنقسم الرخصة إلى: كاملة وهي التي لا شيء معها كالمسح على الخف، وناقصة، وهي بخلافه، وهذا تلمحته من كلام الشافعي في "الأم"، فإنه قال: والمسح رخصة كمال؛ وعلى هذا فالتيمم لعدم الماء فيما لا يجب معه القضاء رخصة كاملة، ومع ما يجب فيه القضاء رخصة ناقصة (١) .


(١) البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي ١ / ٣٣١ – الكويت.

<<  <  ج: ص:  >  >>