للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسألة تتبع الرخص:

قبل الخوض في قضية تتبع الرخص لابد أن نعرف أن " الرخصة " في هذا البحث ليس في معنى " الرخصة المعروفة عند الأصوليين " التي هي ضد العزيمة، فإن تلك الرخصة المعروفة عند الأصوليين ثابتة بالكتاب والسنة وليس فيها خلاف بين الأصوليين والفقهاء فإنها منصوصة ومصرحة في الكتاب والسنة وكتب الفقهاء والأصوليين، بل المراد " بتتبع الرخص " "أن يختار الإنسان من أقوال الفقهاء والمجتهدين ومذاهبهم في كل مسألة ما يكون أسهل وأخف وأيسر " ولا يتقيد بمذهب إمام من الأئمة المعروفين، ولا يكون مدار اختياره قوة الدلائل أو التورع والاحتياط بل يكون مدار اختياره الأقوال والآراء، التخفيف واليسر والسهولة.

فالفقهاء القدامى والمتأخرون جعلوا هذه القضية موضوع أبحاثهم في ثنايا كتبهم، فبعضهم رأوا أن الأمور الاجتهادية والمسائل المجتهد فيها، فيها ما هي متقارب المدارك وليس فيها شذوذ فلم يمنع من العمل بقول واحد من الأئمة أو آخر لأن المجتهدين ليس منهم من يدعي أن الحق محدود في قوله – بل القول الحق هو أن كل رأي محتمل الخطأ والصواب ولكن كل مجتهد يظن أن ما هو عليه حق بغلبة الظن مع احتمال كونه خطأ – والرأي المخالف له خطأ على غالب الظن مع احتمال كونه صوابًا – أما أن المبتلى به قد اختار الأسهل والأيسر له فليست في هذا الاختيار أي مندوحة؛ لأن الله تعالى هو الذي رفع الحرج وأراد بعباده السهولة واليسر.

وبعض الفقهاء ذهبوا إلى أن تتبع الرخص ممنوع قطعًا لأن المقصود به التشهي واتباع هوى النفس فلا يريد المبتلى به اتباع الشرع بل يقصد به ما تشتهيه النفس، والقول الثالث لبعض العلماء هو أنه لا يجوز في عامة الأحوال، نعم إذا كانت الضرورة داعية أو العذر القوي قائمًا فيجوز للمبتلى به أن يختار قولاً فيه يسر وسهولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>