للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه هي خلاصة أقوال الفقهاء في هذه المسألة على الإجمال – الآن نذكر أقوال الفقهاء والأصوليين في هذه المسألة بالتفصيل. قال الإمام ابن الهمام الفقيه الأصولي الحنفي:

وإذا أخذ العامي في كل مسألة بقول مجتهد قوله أخف عليه وأنا لا أدري ما يمنع هذا من النقل أو العقل، وكون الإنسان يتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد مسوغ له الاجتهاد، ما علمت من الشرع ذمه عليه، ((وكان صلى الله عليه وسلم يحب ما خفف عن أمته)) (١) .

وقال الشوكاني ناقلاً أقوال الفقهاء في تتبع رخص المذاهب:

أما لو اختار المقلد من كل مذهب ما هو الأهون عليه والأخف له فقال أبو إسحاق المروزي: يفسق، وقال ابن أبي هريرة: لا يفسق، قال الإمام أحمد بن حنبل: لو أن رجلاً عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل المدينة في السماع وأهل مكة في المتعة كان فاسقًا، وخص القاضي من الحنابلة التفسيق بالمجتهد إذا لم يؤد اجتهاده إلى الرخصة واتبعها العامي العامل بها من غير تقليد لإخلاله بفرضه وهو التقليد، فأما العامي إذا قلد في ذلك فلا يفسق لأنه قلد من سوغ اجتهاده، وقال ابن عبد السلام: ينظر إلى الفعل الذي فعله، فإن كان مما اشتهر تحريمه في الشرع أثم، وإلا لم يأثم (٢) .

قال محمد أمين المعروف بأمير بادشاه الحسيني الحنفي في كتابه تيسير التحرير شرح كتاب التحرير لابن الهمام: (يتخرج) أي يستنبط (منه) أي من جواز اتباع غير مقلده الأول وعدم التضييق عليه (جواز اتباعه رخص المذاهب) أي أخذه من المذاهب ما هو الأهون عليه فيما يقع من المسائل (ولا يمنع منه مانع شرعي، إذ للإنسان أن يسلك) المسلك (الأخف عليه إذا كان له) أي للإنسان (إليه) أي ذلك المسلك الأخف (سبيل) ؛ ثم بين السبيل بقوله: (بأن لم يكن عمل بآخر) أي بقول آخر مخالف لذلك الأخف (فيه) ، أي في ذلك المحل المختلف فيه ((وكان صلى الله عليه وسلم يحب ما خفف عليهم)) . في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها بلفظ ((عنهم)) ، وفي رواية بلفظ ((ما يخفف عنهم)) : أي أمته، وذكروا عدة أحاديث صحيحة دالة على هذا المعنى، وما نقل عن ابن عبد البر: من أنه لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعًا، فلا نسلم صحة النقل عنه ولو سلم فلا نسلم صحة دعوى الإجماع، كيف وفي تفسيق المتتبع للرخص روايتان عن أحمد، وحمل القاضي أبو يعلى الرواية المفسقة على غير متأول ولا مقلد (وقيده) أي جواز تقليد غير مقلده (متأخر) وهو العلامة القرافي (بأن لا يترتب عليه) أي على تقليد الغير (ما يمنعانه) بإيقاع الفعل على وجه يحكم ببطلانه المجتهدان معًا لمخالفته الأول فيما قلد فيه غيره ... والثاني في شيء فيما يتوقف عليه صحة ذلك العمل عنه، (فمن قلد الشافعي في عدم) فرضية (الدلك) للأعضاء المغسولة في الوضوء والغسل (و) قلد (مالكًا في عدم نقض اللمس بلا شهوة) للوضوء (وصلى إن كان الوضوء بذلك صحت) صلاته عند مالك (وإن لا) أي وإن لم يكن بذلك (بطلت عندهما) أي مالك والشافعي (٣) .


(١) فتح القدير ٦ / ٣٤٠ – ٣٤١. مطبعة الميمنية بمصر – كتاب أدب القاضي.
(٢) إرشاد الفحول الشوكاني، ٢٧٢ طبع دار المعرفة – بيروت.
(٣) تيسير التحرير ٤ / ٢٥٤ مطبعة مصطفى البابي الحلبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>