بعد ذلك ناقش محمد أمين المعروف بأمير بادشاه الشرط الذي اشترطه القرافي وانتقد عليه، وذلك الاعتراض على قول القرافي، وقال: إن القول بالبطلان في الصورة المذكورة عند الإمامين كليهما غير مسلم؛ لأن مالكًا مثلاً لم يقل إن من قلد الشافعي في عدم الصداق، أن نكاحه باطل " وكذلك لم يقل الشافعي: " إن من قلد مالكًا في عدم الشهود أن نكاحه باطل ". وأجيب عنه أن في ما ذكر القرافي " الرجل قلد الإمامين وخالف كلًّا منهما في شيء " بخلاف ما في الصورة المذكورة في الاعتراض؛ لأن في هذه الصورة قلد الرجل إمامًا وراعى مذهبه في جميع ما يتوقف عليه صحة العمل، فبينهما فرق واضح فلا يوجب الحكم بالصحة في صورة، والحكم بالصحة في صورة أخرى.
ثم نقل أقوال بعض العلماء في قضية انتقال المقلد إلى مذهب غير إمامه فقال:
ورجح الإمام العلائي القول بالانتقال في صورتين أحدهما: إذا كان مذهب غير إمامه أحوط.. ,الثانية: إذا رأى للقول المخالف لمذهب إمامه دليلاً قويا راجحًا، إذ المكلف مأمور باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم وهذا موافق لما روي عن الإمام أحمد والقدوري وعليه مشى طائفة من العلماء منهم ابن الصلاح وابن حمدان (١) .
الإمام الشاطبي لا يبيح بحال تتبع رخص المذاهب وينهى عنها أشد النهي ويقول:
واعترض بعض المتأخرين على من منع تتبع رخص المذاهب وأنه إنما يجوز الانتقال إلى مذهب بكماله، فقال: إن أراد المانع ما هو على خلاف الأمور الأربعة التي ينقض فيها قضاء القاضي فمسلم، وإن أراد ما فيه توسعة على المكلف فممنوع إن لم يكن على خلاف ذلك، بل قوله عليه الصلاة والسلام ((بعثت بالحنيفية السمحة)) يقتضي جواز ذلك، لأنه نوع من اللطف بالعبد، والشريعة لم ترد بقصد مشاق العباد بل بتحصيل المصالح، وأنت تعلم بما تقدم ما في هذا الكلام لأن الحنيفية السمحة إنما أتى فيها السماح مقيدًا بما هو جار على أصولها، وليس تتبع الرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها، فما قاله عن الدعوى، ثم نقول: تتبع الرخص ميل مع أهواء النفوس، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى، فهذا مضاد لذلك الأصل المتفق عليه ومضاد أيضا لقوله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[النساء: ٥٩] وموضع الخلاف موضع تنازع فلا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس " وإنما يرد إلى الشريعة وهي تبين الراجح من القولين الذي يجب اتباعه لا الموافق للغرض ".