للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتوسط ابن منير فقال: الدليل يقتضي التزام مذهب معين بعد الأئمة الأربعة لا قبلهم – والفرق أن الناس كانوا قبل الأئمة الأربعة لم يدونوا مذاهبهم ولا كثرت الوقائع عليهم (١) .

وبعد ذلك قال الزركشي:

فلو التزم مذهبًا معينا كمالك والشافعي واعتقد رجحانه من حيث الإجمال فهل يجوز أن يخالف إمامه في بعض المسائل ويأخذ بقول غيره من مجتهد آخر؟ فيه مذاهب:

أحدها: المنع، وبه جزم الجيلي في الإعجاز لأن قول كل إمام مستقل بآحاد الوقائع، فلا ضرورة إلى الانتقال إلى التشهي، ولما فيه من اتباع الترخص والتلاعب بالدين.

والثاني: يجوز – وهو الأصح في (الرافعي) ، لأن الصحابة لم يوجبوا على العوام تعيين المجتهدين؛ لأن السبب وهو أهلية المقلد للتقليد عام بالنسبة إلى أقواله، وعدم أهلية المقلد مقتض لعموم هذا الجواب – ووجوب الاقتصار على مفت واحد بخلاف سيرة الأولين (٢) .

وحينما ذكر هذا القول وقال: إن الانتقال إلى مذهب الغير يقوى في صورتين: الأولى إذا كان مذهب الغير فيه شدة، فانتقال يدعو إليه الورع والاحتياط – والثانية إذا رأى أن للقول المخالف لمذهبه دليلاً صحيحًا، ولم يجد في مذهب إمامه دليلاً قويا عنه ولا معارضًا راجحًا عليه؛ فلا وجه لمنعه من التقليد. ثم قال:

واعلم أنا حيث قلنا بالجواز فشرطه أن يعتقد رجحان ذلك المذهب الذي قلد في هذه المسألة، وعلى هذا فليس للعامي ذلك مطلقًا، إذ لا طريق له إليه.


(١) البحر المحيط للزركشي ٦ / ٣١٩.
(٢) البحر المحيط ٦ / ٣٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>