للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال العلامة محمد أمين الشهير بابن عابدين في كتابه: "العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية ": " لو فرضنا أن حاكمًا حنفيا حكم بصحة وقف الدراهم على النفس، هل ينفذ حكمه؟ فنقول: النفاذ مبني على القول بصحة الحكم الملفق، وبيان التلفيق أن الوقف على النفس لا يقول به إلا أبو يوسف وهو لا يرى وقف الدراهم، ووقف الدراهم لا يقول به إلا زفر، وهو لا يرى الوقف على النفس؛ فكان الحكم بجواز وقف الدراهم على النفس حكمًا ملفقًا من قولين، كما ترى، وقد مشى شيخ مشائخنا العلامة زين الدين قاسم في ديباجة تصحيح القدوري على عدم نفاذه، ونقل فيها عن كتاب " توفيق الحكام في غوامض الأحكام" أن الحكم الملفق باطل بإجماع المسلمين. ومشى الطرطوسي في كتابه " أنفع الوسائل " على النفاذ مستندًا في ذلك لما رآه في قنية المفتى فلينظر من أراد (أقول) رأيت بخط شيخ مشائخنا منلا على التركماني في مجموعته الكبيرة ناقلاً عن خط الشيخ إبراهيم السوالاتي بعد هذه المسألة المنقولة عن فتاوى الشلبى ما نصه: أقول وبالجواز أفتى شيخ الإسلام أبو السعود في فتاواه وأن الحكم ينفذ وعليه العمل والله تعالى الموفق، أو ما رأيته بخطه عن الشيخ إبراهيم المذكور (وأقول أيضًا) قد يوجه ذلك بأنه ليس من الحكم الملفق الذي نقل العلامة قاسم أنه باطل بالإجماع لأن المراد بما جزم ببطلانه ما إذا كان من مذاهب متباينة كما إذا حكم بصحة نكاح بلا ولي بناء على مذهب أبي حنيفة وبلا شهود بناء على مذهب مالك بخلاف ما إذا كان ملفقًا من أقوال أصحاب المذهب الواحد فإنها لا تخرج عن المذهب فإن أقوال أبي يوسف ومحمد وغيرهما مبنية على قواعد أبي حنيفة رحمه الله أو هي أقوال مروية عنه فإنما نسبت إليهم لا إليه لاستنباطهم لها من قواعده أو لاختيارهم إياها" (١) .

قال العلامة ابن حجر الهيتمي في كتابه " الفتاوى الكبرى ":

ثم شرط الانتقال أن لا يعلم بمذهب في واقعة مع بقائه على تقليد إمام آخر في تلك الواقعة وهو يرى فيها خلاف ما يريد العمل به، وأن يكون ذلك الحكم مما ينقض فيه قضاء القاضي – قاله ابن عبد السلام وتابعه عليه ابن دقيق العيد، وألحق بما ينقض ما خالف ظاهر النص، بحيث يكون التأويل مستكرها، وزاد شرطين آخرين كما في الخادم: أحدهما أن لا تجتمع صورة يقع الإجماع على بطلانها كما إذا افتصد ومس الذكر وصلى، الثاني انشراح صدره للتقليد وعدم اعتقاده لكونه متلاعبًا بالدين لحديث ((الإثم ما حاك في نفسك)) قال: بل أقول إن هذا شرط جميع التكاليف وهو أن لا يقدم إنسان على ما يعتقده مخالفًا لأمر الله عز وجل؛ وبالأول عزم القرافي، ومثله من قلد مالكًا في عدم النقض باللمس بلا شهوة فلا بد أن يكون قلد مالكًا في تلك الطهارة التي مس فيها ويمسح جميع رأسه وإلا فصلاته باطلة عند الإمامين، ونقله عنه الإسنوي وأقره وذكر من فروعه ما لو نكح بلا ولي ولا شهود فإنه يحد – كما قاله الرافعي – لاتفاق أبي حنيفة ومالك على بطلان النكاح (٢) .


(١) " العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية " للعلامة ابن عابدين الشامي ١ / ١٠٩ – طبع دار المعرفة، ببيروت – لبنان.
(٢) الفتاوى الكبرى الفقهية لابن حجر الهيتمي ٤ / ٣٠٦. طباعة دار الفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>