للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرخصة

لابد عند بيان معنى الرخصة من بيان معنى العزيمة لغة وشرعًا: أما لغة: فالعزيمة: القصد المؤكد ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: ١٥٩] . قال الجوهري: عزمت على كذا عزمًا (بفتح العين) وعزمًا (بضم العين) وعزيمة وعزيمًا، إذا أردت فعله وقطعت عليه (١) ، قال الله تعالى {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: ١١٥] ، أو جد في الأمر، وعزم الأمر نفسه عزم عليه، وعلى الرجل أقسم، وأولو العزم من الرسل: الذين عزموا على أمر الله فيما عهد إليهم، أو هم أولو الجد والثبات والصبر، وعزائم الله: فرائضه (٢) ، ويقال: عزم الأمر إذا جد ولزم، قال تعالى {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد: ٢١] (٣) .

والرخصة في الأمر: خلاف التشديد (٤) ، والتشديد لا يحصل إلى من الواجب فعلاً أو كفًّا كما قال ابن منظور. والرخصة: السهولة، ومنه رخص السعر إذا سهل ولم يبق في السعر تشديد، وهو من رخص يرخص رخصًا ورخوصة ورخاصة ورخصانًا، والرخصة (بضمة وبضمتين) ترخيص الله للعبد فيما يخففه عليه، وأيضا بمعنى التسهيل (٥) .

ورخص له في الأمر: سهله ويسره، وأذن له فيه بعد النهي عنه، والرخصة: التسهيل في الأمر والتيسير (٦) .

وللعزيمة والرخصة لغة معان أخرى لم نذكرها لعدم صلتها بالمعنى الشرعي، بل ذكرنا المعنى اللغوي المتصل بالمعنى الشرعي كما سنرى.

الرخصة شرعًا:

للرخصة معان شرعية متعددة، وإطلاقات مختلفة بحسب الموضوع وبحسب تنوعها، وبحسب اختلاف الفقهاء في تعريفها:

فالرخصة عند المحدثين نوعان: الأول: الإجازة والمناولة، فإن كان عالمًا بما في الكتاب يجوز، والمستحب أن يقول أجاز، ويصح أن يقول أيضا: " أجيز "، وإن لم يكن عالمًا بما في الكتاب لا يجوز عند أبي حنيفة ومحمد، خلافًا لأبي يوسف، ورأي أبي حنيفة أصح، لأن أمر السنة أمر عظيم مما لا يتساهل فيه، وتصحيح الإجازة من غير علم فيه من الفساد ما فيه، وفيه فتح لباب التقصير في طلب العلم (٧) .

والنوع الثاني: الرخصة كتابة الحديث، وقد كانت العزيمة في ضبط الحديث حفظه، ثم أصبحت الرخصة عزيمة صيانة للعلم (٨) .


(١) الصحاح للجوهري / مادة عزم.
(٢) القاموس ٤ / ١٤٩ – ١٥٠.
(٣) المعجم الوسيط مادة عزم.
(٤) لسان العرب مادة رخص ١٠ / ٤٩.
(٥) القاموس المحيط للفيروز أبادي ٢ / ٣٠٤، ولسان العرب ١٠ / ٤٩.
(٦) المعجم الوسيط ١ / ٣٣٦ مادة رخص.
(٧) شرح التلويح للتفتازاني على شرح التوضيح لصدر الشريعة ٢ / ١٢.
(٨) شرح التلويح للتفتازاني على شرح التوضيح لصدر الشريعة ٢ / ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>