للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قسمت الرخص أيضا على أساس اعتبار الحقيقة والمجاز، وهذا التقسيم للحنفية (١) وهي بهذا الاعتبار على قسمين:

رخص حقيقية، ورخص مجازية.

فالرخص الحقيقية هي التي تقع في مقابلة عزائم ما يزال العمل بها جاريًا لقيام دليلها، وهي على نوعين:

- نوع أباحه الشرع مع قيام السبب المحرم، وهو أعلى درجات الرخص، مثاله النطق بكلمة الكفر لمن أكره عليها، فقد رخص لمن أكره على الكفر وخاف على نفسه الهلاك أن يتلفظ بكلمة الكفر عندما يكون قلبه مطمئنًا بالإيمان.

ومع ذلك فله أن يرفض ذلك ويصبر حتى يقتل شهيدًا، بل إن الصبر أفضل له، وقد ذكرنا ذلك سابقًا وأتينا بكلام العلماء حوله.

ومن هذا النوع أكل الميتة لمضطر يخشى الهلاك، فإن الشارع قد رخص له في أكلها وقد ذكرنا سابقًا أن مشهور مذاهب الأئمة أنه إذا خشي التلف وجب عليه أكلها لقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩]

النوع الثاني من القسم الأول هو ما رخص فيه مع قيام السبب المحرم إلا أن الحكم فيه على التراخي كالفطر في رمضان للمسافر فإن السبب المحرم للإفطار هو رمضان وهو قائم بذاته إلا أن المسافر مشروع له التراخي في أداء هذا الفرض لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٥] .

وعليه فإنه من حيث إن السبب الموجب للصوم قائم كانت الرخصة حقيقية، ومن حيث إن الحكم متراخ غير لازم في الحال كان هذا النوع دون النوع الأول (٢) .

القسم الثاني من هذا التقسيم هو الرخص المجازية وتسمى أيضا برخص الإسقاط وهي نوعان:

أ- نوع أسقطه الله عن أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كالإصر والأغلال التي على أمم قبلنا، مثل قتل النفس لصحة التوبة فمن ارتد عن دينه لم يكن له من توبة إلا قتل نفسه.

قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} [البقرة: ٥٤] ومن الإصر والأغلال أي الأثقال والمشاق التي كانت على من قبلنا – أن النجاسة إذا أصابت ثوبًا أو جسدًا قطع محلها من ذلك الثوب أو الجسد. كما أن مجالسة الحائض ومواكلتها ومضاجعتها كانت ممنوعة، وكانوا إذا جمعوا الغنائم نزلت نار من السماء فأكلتها (٣) ، لأن الغنائم لم تحل لأحد قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ففي صحيح البخاري من حديث جابر مرفوعًا: ((وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي)) (٤) .


(١) كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام للبزدوي ٢ / ٣١٥ – ٣٢١.
(٢) كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام للبزدوي ٢ / ٣١٥ – ٣٢١.
(٣) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٧ / ٣٠٠.
(٤) صحيح البخاري ١ / ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>