للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم الرابع:

من أقسام الرخص رخص على خلاف الأولى. من ذلك التلفظ بالكفر لمن أكره عليه وقلبه مطمئن بالإيمان، فيجوز له التلفظ بالكفر إذا خشي الهلاك، لقوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: ١٠٦] .. هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر، أخذه المشركون فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر آلهتهم بخير، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كيف تجد نفسك؟)) قال: مطمئن بالإيمان. قال: ((إن عادوا فعد)) . أخرجه ابن جرير في تفسيره، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (١) . هذا دليل الترخيص في الكفر، إلا أن من صبر على البلاء حتى قتل كان ذلك أولى وأعظم أجرًا.. ذكر ذلك الجصاص وابن العربي (٢) وحكى القرطبي عليه الإجماع (٣) .

ومن الرخص التي هي خلاف الأولى:

فطر المسافر في رمضان حيث كان الصوم لا يشق عليه، وهذا رأي الجمهور (٤) . لقوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٤٨] . وقال أحمد: إن الفطر أفضل مطلقًا قوي على الصوم أم لا (٥) . واستدل بحديث جابر الآنف الذكر ((ليس من البر الصوم في السفر)) لكن هذا الحديث ورد في شأن رجل أجهده الصوم حتى أضر به، وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر ((ليس من البر الصوم في السفر)) .

قال في الفتح: أشار بهذه الترجمة إلى أن سبب قوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس من البر الصوم السفر)) ما ذكر من المشقة.

قال: (والحاصل أن الصوم لمن قوي عليه أفضل من الفطر، والفطر لمن شق عليه الصوم أو أعرض عن قبول الرخصة أفضل، وأن من لم يتحقق المشقة خير بين الصوم والفطر) (٦) . اهـ.


(١) جامع البيان في تفسير القرآن ١٤ / ١٢٢، المستدرك ٢ / ٣٥٧.
(٢) أحكام القرآن للجصاص ٣ / ١٩٢، وأحكام القرآن لابن العربي ٣ / ١١٧٩.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٨٨.
(٤) اللباب شرح الكتاب ١ / ١٦٩، ومواهب الجليل ٢ / ٤٠١، وفتح الباري ٤/ ١٥٩.
(٥) المغني ٣ / ١٥٠.
(٦) فتح الباري ٤ / ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>