للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الرخص التي يندب الأخذ بها: فطر المريض الذي يخاف زيادة المرض أو تماديه، فيندب له الفطر إذا لم يخش الهلاك، وإلا وجب عليه، والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] قال القرطبي: (للمريض حالتان: إحداهما ألا يطيق الصوم بحال فعليه الفطر واجبًا، الثانية أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة، فهذا يستحب له الفطر ولا يصوم إلا جاهل) (١) .

القسم الثالث:

من أقسام الرخص رخص مباحة، وهي التي تطلق على ما استثني من أصل كلي يقتضي المنع مطلقًا، من غير اعتبار بكونه لعذر شاق. قال الشاطبي: (فيدخل فيه القرض والقراض والمساقاة ورد الصاع من الطعام في مسألة المصراة، وبيع العرية برخصها تمرًا، وضرب الدية على العاقلة، وما أشبه ذلك.. وعليه يدل قوله: ((نهى عن بيع ما ليس عندك، ورخص في السلم)) ، وكل هذا مستند إلى أصل الحاجيات) (٢) . لأن الحاجة إذا عمت تنزلت منزلة الضرورة، والضرورات تبيح المحظورات.

وقوله: (ويدل عليه قوله: ((نهى عن بيع ما ليس عندك)) يشير به إلى ما أخرجه أصحاب السنن عن حكيم بن حزام قال: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندي أفأبتاع له من السوق ثم أبيعه؟ فقال: " لا تبع ما ليس عندك ".)) (٣) . قال الخطابي: (قوله: لا تبع ما ليس عندك، يريد بيع الدين دون بيع الصفة، ألا ترى أنه أجاز السلم إلى الآجال، وهو بيع ما ليس عند البائع في الحال) (٤) .

ومن الرخص الجائزة: المسح على الخفين في الحضر والسفر، فلا خلاف عند جميع الأئمة في جوازه لوروده في الموطأ والصحيحين (٥) . ولأنه رواه سبعون صحابيا (٦) .


(١) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٢ / ٢٧٦.
(٢) الموافقات في أصول الشريعة ١ / ٣٠٣ – ٣٠٤.
(٣) سنن أبي داود ٣ / ٧٦٨، وعارضة الأحوذي على جامع الترمذي ٥ / ٣٤١، وسنن النسائي بشرح السيوطي ٧ / ٢٨٩، وسنن ابن ماجة ٢ / ٧٣٧.
(٤) معالم السنن ٣ / ١٤٠.
(٥) الموطأ ١ / ٣٦، وصحيح البخاري ١ / ١٥١، وصحيح مسلم ١ / ١٥١.
(٦) إكمال إكمال المعلم ٢ / ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>