للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم الأول:

الرخص الواجبة: وهي التي شرعت للضرورة الشديدة التي تهدد حياة المسلم مثل أكل الميتة والدم ولحم الخنزير – لمضطر يهدد الجوع حياته. فقد شرع الله له ذلك لقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٧٣] .

واتفق الأئمة الأربعة في مشهور مذاهبهم على وجوب أكل المضطر للميتة والدم ولحم الخنزير إن خشي الهلاك علمًا أو ظنًّا، ذكر ذلك أبو بكر الجصاص والكيا الهراسي – في أحكام القرآن، والقرطبي في تفسيره (١) .

كما ذكره الحطاب في حاشيته، والنووي في شرح المهذب (٢) ، والمرداوي في الإنصاف (٣) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه (٤) ، والحجة في ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩] وقوله عز وجل: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] .

القسم الثاني:

من أنواع الرخص: رخص مندوبة وتشمل ما كان سنة وما كان الأخذ به أفضل من غيره، كالقصر في السفر الذي لا تقل مسافته عن أربعة برد، أي حوالي (٨٠) كم، وهذا هو قول الجمهور (٥) ، وقال الحنفية: لا تقل مسافته عن ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل ومشي الأقدام (٦) .

وقال ابن حزم: كل ما يسمى سفرًا تقصر فيه الصلاة ويفطر فيه الصائم، وهذا القول ذكر العلامة الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي أنه أقوى دليلاً (٧) ، ولا عبرة بعدم وجود مشقة في السفر لأن القصر في السفر صدقة تصدق الله بها على عباده، كما في حديث يعلى بن أمية قال: قلت لعمر: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١] فقد أمن الناس، فقال: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته)) أخرجه مسلم (٨) . إلا أن الصوم في السفر أفضل لمن لا يشق عليه الصوم – كما سيأتي في القسم الرابع من أقسام الرخص – أما من يشق عليه الصوم فالفطر أفضل له لحديث: ((ليس من البر الصوم في السفر)) أخرجه الشيخان عن جابر مرفوعًا (٩) .


(١) أحكام القرآن للجصاص ١ / ٢٨، وأحكام القرآن للكيا الهراسي ١ / ٤٢، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٢ / ٢٣٢.
(٢) مواهب الجليل ٣ / ٢٣٢ – ٢٣٣، والمجموع للنوي ٩ / ٣٩ – ٤٠.
(٣) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ١٠ / ٣٧٠.
(٤) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٢١ / ٨١.
(٥) مختصر خليل ص ١٩، والمجموع للنووي ٤ / ٣٢٥، والمغني ٢ / ٢٥٥.
(٦) الهداية ١ / ٨٠.
(٧) المحلى ٥ / ٢، وأضواء البيان ١ / ٤٧٠.
(٨) صحيح مسلم ١ / ٤٧٨.
(٩) صحيح البخاري ٢ / ٦٨٧، وصحيح مسلم ٢ / ٧٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>