للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وترجم له البخاري بباب الرخصة في المطر (١) .

أما المشقة المعتادة فلا تجلب التيسير لأنه لا يخلو عمل مطلوب منها، ولذلك لا تمنع التكليف، فتناول الطهارة في البرد والصلاة في الجماعة وقت الفجر في شدة البرد، والصيام في فصل الحر، كل هذه أعمال لها مشقة لكنها مشقة معتادة لا تجلب التيسير، ولا تستوجب الترخيص (٢) .

وفي ذلك يقول الشيخ محمد العاقب بن مايابى الشنقيطي في نظمه لنوازل سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم الشنقيطي:

وألغيت خفيفة كبرد ماء الطهارة أوان البرد

ثانيًا: أقسام الرخصة:

للرخصة مجالات مختلفة قسمها الأصوليون باعتبارها، ومن أهم تلك التقسيمات تقسيمها باعتبار حكمها الشرعي وهي بهذا الاعتبار أربعة أقسام: واجبة، ومندوبة، ومباحة، وخلاف الأولى؛ وهذا التقسيم للشافعية ذكره الجلال المحلي في شرحه لجمع الجوامع لابن السبكي (٣) ، ونقله أبو إسحاق الشاطبي عن العلماء، وإن كان غير مرتض له، فقال: (إن العلماء قد نصوا على رخص مأمور بها، فالمضطر إذا خاف الهلاك وجب عليه تناول الميتة وغيرها من المحرمات الغاذية، ونصوا على طلب الجمع بعرفة والمزدلفة، وأنه سنة، وقيل في قصر المسافر، وإنه فرض أو سنة أو مستحب، وفي الحديث: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه)) .

وقال ربنا تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] إلى كثير من ذلك، فلم يصح إطلاق القول بأن حكم الرخص الإباحة دون التفصيل (٤) فالشاطبي نقل هذا الكلام ليرد عليه، لأنه يرى أن حكم الرخصة الإباحة مطلقًا، وإن ما لم يكن حكمه الإباحة فهو عزيمة (٥) .

وأشار ابن عاصم في " مرتقى الوصول إلى معرفة علم الأصول " في كلامه على الرخصة إلى التقسيم الذي ذكره الجلال المحلي فقال:

وأصلها الجواز وهي تنتهي للندب والوجوب والأخذ به (٦)

وقال الحطاب في حاشيته: (وكون الرخصة تنتهي للوجوب هو ما عليه المحققون كابن الحاجب وغيره من المتأخرين في تقسيمهم إياها للواجب والمندوب والمباح، زاد بعضهم، وخلاف الأولى) (٧) .

وحديث: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه..)) ورد بطرق مختلفة إحداها تقدم تخريجها عن الإمام أحمد والطبراني في الأوسط والبزار، وله طريقة أخرى باللفظ الآتي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه)) . أخرجه البطراني في الكبير والبزار، ورجالهم ثقات، قاله في مجمع الزوائد (٨) . أما باقي طرقه فلا نذكرها لضعفها (٩) .

وهذه أقسام الرخص نوردها بالتفصيل مع ذكر مذاهب الأئمة حولها.


(١) صحيح البخاري ١ / ١٣٧ وصحيح مسلم ١ / ٤٨٤.
(٢) الموافقات للشاطبي ٢ / ١٥٦.
(٣) حاشية العطار على شرح المحلى لجمع الجوامع ١ / ١٦٢.
(٤) الموافقات للشاطبي ١ / ٣١٠ – ٣١٢.
(٥) الموافقات للشاطبي ١ / ٣١٠ – ٣١٢
(٦) نيل السول على مرتقى الوصول للشيخ محمد يحيى الولاتي الشنقيطي ص ٩٣.
(٧) مواهب الجليل لحطاب ١ / ٣٢٥ – ٣٢٦.
(٨) مجمع الزوائد ٣ / ١٦٢.
(٩) مجمع الزوائد ٣ / ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>