للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأدلة الخاصة بالرخص من القرآن والسنة (١) :

إن الأدلة الخاصة بالقرآن والسنة قد استوعبت غالب الرخص التي جاءت في الشريعة الإسلامية، ناهيك أن الرخص شطر هذه الشريعة السمحة، حيث اتفق العلماء على أنها إحدى المرتبتين الكبيرتين اللتين تعود إليهما جميع الأحكام، وهما: مرتبة التشديد، ومرتبة التخفيف. لذلك أردت أن أتعرض إلى بعض الآيات والأحاديث كنماذج حية لدلالتها صراحة على حجية الرخصة.

وهي أنواع ثلاثة:

١- آيات رفع الجناح ومنها:

- قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١] .

والمراد بالضرب في الأرض: السفر برا أو بحرًا أو جوًا. وقصر الصلاة: النقص منها. وتشير هذه الآية إلى أن العزيمة في هذا الموضوع هي تأدية الصلاة تامة، وإن التزام هذه الحالة قد يوقع المسافرين العاديين في حرج ومشقة، فما بالك بالمسافرين للجهاد؟ ولذلك خفف الله عن هؤلاء جميعًا، ورخص لهم في أن يصلوا الصلوات الرباعية ركعتين ركعتين.. وقد استفدنا هذا الترخيص من نفي الجناح عمن قصر في الصلاة في الحالة المذكورة.

- وقول الله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] .

فالآية ظاهرة في تعظيم أمر أخذ العوض عن الطلاق الذي هو حرام. وإنما رخص الله في أخذ العوض إذا كانت الكراهة والنفرة من المرأة في مبدأ المعاشرة، دفعًا للإضرار عن الزوج في خسارة ما دفعه من الصداق وتكاليف الزواج الذي لم ينتفع منه بمنفعة (٢) .

٢- آيات نفي الإثم:

وذلك كقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٧٣] .

والمضطر هو الذي ألجأته الضرورة إلى أكل شيء من هذه المحرمات فإن فعل مع هذا الوصف فلا إثم عليه (٣) .

فالضرورة لها سببان:

- أحدهما الجوع الشديد مع عدم وجود المأكول الحلال لسد الرمق عند مالك وأبي حنيفة.

- ثانيهما الإكراه على الأكل من هذه المحرمات (٤) . وحد الضرورة عند مالك حتى يشبع، ولا يمنع من التزود من المحرم خوفًا على نفسه من الهلاك إن هو فرط فيه، فإن وجد غنى عنه طرحه.


(١) كتاب: الرخص الفقهية من القرآن والسنة محمد الشريف الرحموني: ص ٢١٦.
(٢) التحرير والتنوير: ٢ / ٤٠٧ – ٤١٢.
(٣) أحكام القرآن: ٢/ ٩١.
(٤) التفسير الكبير: ٢ / ٨١ – ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>