للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ما رواه أصحاب الصحاح في شأن صلاة التراويح، حيث ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم. فلما أصبح قال: ((قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم)) (١) . وفي رواية أخرى: ((فتعجزوا عنها)) ؛ فلم يكن المانع من خروجه إليهم نهيه عن ذلك، وإنما كان خشيته من أن تفرض عليهم هذه الصلاة، فتنهك قواهم، وتستنفد طاقتهم، فيقل بذلك نشاطهم لإنجاز أعمال أخرى تنتظرهم. فإذا زالت العلة بانقطاع الفرضية بعده عليه الصلاة والسلام، ذهب المانع، وثبت جواز الاجتماع لقيام رمضان، وهذا ما فهمه عمر رضي الله عنه، ونفذه في خلافته.

النوع الثالث: أحاديث يأمر أصحابه فيها بالتخفيف، وينكر عليهم فيها التشدد والغلو. مثلا:

- ما أخرجه البخاري وغيره من قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري، لما بعثهما إلى اليمن: ((يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا)) (٢) .

- ومن هذا النوع ما روي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان للنبي صلى الله عليه وسلم حصير وكان يحجره بالليل)) (٣) فيصلي فيه، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه، فجعل الناس يثوبون على النبي صلى الله عليه وسلم يصلون بصلاته حتى كثروا، فأقبل فقال: ((يا أيها الناس، خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا. وإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)) (٤) .

- ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)) : (٥) .


(١) متفق عليه (جامع الأصول: ٧ / ٧٩) المنتقى: ١ / ٢٠٥. النووي على مسلم: ٦ / ٤٠ – فتح الباري: ٤ / ٢٥١ – نيل الأوطار: ٣ / ٥١.
(٢) أخرجه البخاري في المغازي والأدب، ومسلم في الأشربة (فتح الباري: ٨ / ٦٠ و ١٠ / ٥٢٤) والنووي: ١٣ / ١٧١.
(٣) يحجره: يجعله لنفسه دون غيره.
(٤) جامع الأصول: ١ / ٢٠٩ – ٢١٢، فتح الباري: ٤ / ٢٠٦.
(٥) ابن الأثير: جامع الأصول من أحاديث الرسول: ٦ / ٣٨٣ – ٣٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>