للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدلة الرخصة من السنة:

تشمل ثلاثة أنواع:

النوع الأول: أحاديث يستفاد منها سماحة هذا الدين ويسره. وذلك كالحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أحب الأديان إلى الله فقال: ((الحنيفية السمحة)) (١) .

والمراد بالحنيفية: المائلة عن الباطل إلى الحق، أو المائلة عن دين اليهود والنصارى إلى الاستقامة.

والمراد بالسمحة: الميسورة التي لا تتطلب ما فيه كثافة وغلظة وجمود، ولا تدعو إلى ما ينجر عنه عصيان وطغيان وسماجة.

يقول الإمام ابن عاشور (٢) : " والحكمة من السماحة في الشريعة أن الله جعل هذه الشريعة دين الفطرة، وأمور الفطرة راجعة إلى الجبلة فهي كائنة في النفوس، سهل عليها قبولها، ومن الفطرة النفور من الشدة والإعناق".

وما روي من أن عروة الفقيمي رضي الله تعالى عنه قال: كنا ننتظر النبي صلى الله عليه وسلم فخرج يقطر رأسه من وضوء أو غسل فصلى فلما قضى الصلاة جعل الناس يسألونه: يا رسول الله: أعلينا من حرج في كذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يا أيها الناس إن دين الله عز وجل في يسر – إن دين الله عز وجل في يسر – إن دين الله عز وجل في يسر)) قالها هكذا ثلاثًا (٣) . وقد تكررت كلمة اليسر في أحاديث كثيرة (٤) .

النوع الثاني: أحاديث تفيد في جملتها خشية النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون قد شق على أمته، ومنها:

- ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من أن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج من عندها وهو قرير العين، طيب النفس، ثم رجع إليها وهو حزين، فقال: ((إني دخلت الكعبة ووددت أني لم أكن فعلت. إني أخاف أن أكون قد أتعبت أمتي من بعدي)) (٥) ، إن رسول الله يعلم أن أمته ستقتفي آثاره، وتتبع سنته، فلما دخل الكعبة تذكر أنه ربما تسبب بهذا الدخول في مشقة أفراد أمته ممن كتب له زيارة بيت الله العتيق، فتمنى لو أنه لم يفعل (٦) .


(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ١ / ٢٣٦ و ٣ / ٤٤٢، فتح الباري ١ / ٩٣.
(٢) كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية ص ٦١ – ٦٢.
(٣) رواه الإمام أحمد وأبو علي الطبراني في الكبير.
(٤) ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث: ٥ / ٢٩٥.
(٥) رواه الخمسة في المناسك، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(٦) ابن العربي: العارضة: ٤ / ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>