- كقوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[البقرة: ٢٢٠] . ورد في نزول هذه الآية أنه لما نزلت:{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}[الأنعام: ١٥٢ – والإسراء: ٣٤] . انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ}[البقرة: ٢٢٠](١) فأذن الله بهذه الآية بمخالطة اليتامى، وأن الغرض الأصلي هو إصلاحهم، والقيام بشؤونهم وتربيتهم، وحفظ أموالهم؛ ولم يرد العنت لسعة رحمته، إذ لا يكلف نفسًا إلا وسعها. ولذلك أباح مخالطتهم، مع عفوه عما جرى العرف على التسامح فيه لعدم استغناء الخلطة عنه.
في هذه الآية خطاب موجه إلى النصارى واليهود بأنهم خالفوا كتابهم، بالإفراط فيه والزيادة عليه، ونهوا عن الغلو بالذات، لأنه أصل لكثير من ضلالهم وتكذيبهم للرسل الصادقين، وهو سبب تجاوزهم الحد الذي طلبه دينهم من اتباع الإنجيل والتوراة، ومحبة رسولهم – ببغض محمد عليه الصلاة والسلام. كما تجاوز النصارى محبة رسولهم بدعوى إلهيته أو كونه ابن الله.
وإذا كان الغلو في الدين موجهًا في هذه الآية إلى النصارى واليهود فإن فيه عبرة واعتبارًا للمسلمين، فهم أولى بالانتهاء عن الغلو من غيرهم، وأحق بهذا الخطاب من سواهم، حيث إن دينهم دين الرحمة واليسر والعدل والاعتدال.
(١) ابن الأثير: جامع الأصول في أحاديث الرسول: ٢ / ١٢٩.