للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدلة الرخص من القرآن:

هي أربعة أنواع (١) :

النوع الأول: آيات التيسير والتخفيف:

- كقوله تعالى تعقيبًا على أحكام الصيام: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] وقد ورد هذا النص مباشرة بعد النص على الترخيص وكان كاصلة لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] .

والمراد باليسر: العمل الذي لا يجهد النفس وليست فهي مشقة زائدة لا يستطيع أن يتحملها عامة الناس. والمراد بالعسر: هو ما فيه إجهاد للنفس، وضرر للجسم، وفيه مشقة زائدة لا يتحملها عامة الناس.

- وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: ٢٨] هو تذكير بأن الله يوالي رفقه بهذه الأمة، وإرادته بها اليسر دون العسر، وأن الضعف المشار إليه في الآية هو ضعف الإنسان أمام الشهوة الجنسية، وفي الخبر: لا خير في النساء، ولا صبر عنهن، يغلبن كريمًا ويغلبهن لئيم.

والذي رجحه المفسرون: عموم التخفيف في الشريعة، بناءً على ضعف الإنسان أمام رغباته وأمام مغريات الحياة، بالرحمة واليسر ورفع المشقة، وإزالة الضرر (٢) .

- وقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: ٢٨٦] . المراد بالوسع هو: الطاقة والاستطاعة. والمستطاع ما اعتاد الناس فعله دون مشقة بالغة.

النوع الثاني: آيات في نفي الحرج والضيق:

- قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: ٧٨] . والحرج يطلق ويراد به الضيق والشدة. وجاءت الآية لبيان تفضيل هذا الدين عما سواه بنفي الحرج عنه، الأمر الذي يسهل العمل به، والمداومة عليه، فيسعد أتباعه بسهولة امتثاله (٣) . فما ألزم الله عباده بشيء يشق عليهم إلا جعل لهم فرجًا ومخرجًا. فقد رخص لهم في المضائق، وفتح عليهم باب التوبة على مصراعيه، وشرع لهم الكفارات في حقوقه، والديات في حقوق العباد (٤) .

- وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: ٦] .

هذا الجزء من الآية جاء تعليلاً لرخصة التيمم.

والمراد هنا: نفي الحرج الحسي. فلم يكلفوا بالضوء والاغتسال مع المرض والسفر إذا فقدوا الماء في السفر وعجزوا عن استعماله في المرض، وكذلك نفي الحرج المعنوي لو منعوا من أداء الصلاة في حال العجز عن استعمال الماء لضر، أو لفقدانه في السفر (٥) .

وقال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: ٩١] . هذه الآية تمثل إعذارًا من الله للضعفاء، وهم العاجزون عن تحمل المشاق، كالشيخ، والصبي، والمرأة، والهزيل خلقًا لا علة. والمرضى (وهم العاجزون بأمر عرض لهم لحقهم منه ضرر، كالعمى والعجز والزمانة: وسائر الأمراض التي تعوق صاحبها عن القيام بما أمر به) والفقراء الذين يعجزون عن تجهيز أنفسهم للقتال (٦) .


(١) الرخص الفقهية من القرآن والسنة النبوية: محمد الشريف الرحموني: ص ١٣٥.
(٢) الألوسي: روح المعاني: ٥ / ١٤ – ١٥.
(٣) التحرير والتنوير: ١٧ / ٣٤٩.
(٤) روح المعاني: ١٧ / ٢١٠.
(٥) التحرير والتنوير: ٦ / ١٣.
(٦) ابن العربي: أحكام القرآن: ١ / ٤٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>