للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم الرخصة

الرخصة باعتبار متعلقها الذي هو فعل المكلف، تكون واجبة ومندوبة ومباحة وخلاف الأولى (١) ، وهو رأي جمهور الأصوليين الذين يقولون: إن الرخصة قد تكون مطلوبة الفعل على وجه اللزوم، أو على وجه الندب والاستحباب (٢) .

١- فتكون واجبة كأكل الميتة للمضطر، وأصل حكمها الحرمة. والحكم هنا وإن تغير من صعوبة، وهي الحرمة، إلى صعوبة وهي الوجوب؛ إلا أن وجوب الأكل موافق لغرض النفس في بقائها، ففيه سهولة من هذه الناحية. وسبب الحكم الأصلي: الخبث، ولذلك كان حرامًا.

٢- تكون مندوبة كالقصر في السفر إذا بلغت المسافة ثلاثة أيام. والحكم الأصلي حرمة القصر. وعذر القصر المشقة، وسببه دخول الوقت. فقد تغير الحكم الأصلي من صعوبة وهي حرمة القصر إلى سهولة وهي ندب القصر لعذر المشقة مع قيام السبب وهو دخول الوقت.

- ومن هذا القبيل: الفطر في رمضان بالنسبة إلى المسافر الذي يشق عليه الصوم والإبراد بالظهر، والنظر إلى المخطوبة، ومخالطة اليتامى في أموالهم (٣) .

٣- وتكون الرخصة مباحة كالسلم الذي هو بيع موصوف في الذمة. ومثله الإجارة، وكل ما فيه عقد على معدوم أو مجهول، كالقراض والمساقاة. والأصل في ذلك المنع، ولكن أجيز للضرورة، مع قيام سبب الحكم الأصلي.

٤- تكون الرخصة خلاف الأولى، كفطر مسافر في رمضان لا يشق عليه الصوم مشقة قوية، والتيمم لمن وجد الماء يباع بأكثر من ثمن الأصل وهو قادر عليه، وقراءة القرآن على غير طهارة (٤) . فالحكم الأصلي حرمة الفطر مثلاً، لكن أبيح لعذر المشقة، مع قيام السبب للحكم الأصلي.

ويقول الشاطبي: وحكم الرخصة الإباحة مطلقًا من حيث هي رخصة. والدليل على ذلك أمور (٥) :

أحدها: ورود النصوص عليها، كقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣] . و {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: ١٠١] . و {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ١٩٨] .

- وفي الحديث: ((كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنا المقصر ومنا المتم، ولا يعيب بعضنا على بعض)) (٦) .


(١) المحلى على جمع الجوامع: ١ / ١٢٢ – أصول الفقه للعربي اللوة: ص ٧٤، الرخص الفقهية من القرآن والسنة: ص ٣٩٢.
(٢) أصول الفقه للدكتور حسين حامد حسان: ص ١٣٠.
(٣) ابن عبد البر: التمهيد: ٢ / ١٧١.
(٤) المعيار للونشريسي ١ / ٨٧.
(٥) الشاطبي: الموافقات: ١ / ٢٠٩.
(٦) التمهيد لابن عبد البر: ٢ / ١٦٩ – ١٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>